كذبة الاعتقال التعسفي للمتهمين باغتيال الحريري
المستقبل - الخميس 1 أيار 2008 - العدد 2949 - مخافر و محاكم - صفحة 9
طارق شندب(*)
لا يخفى على أحد كيف يحاول المتورطون في جرائم القتل والتهديد وإساءة استعمال السلطات والمخرّبون والمعطّلون ومن يقف وراءهم أن يطرحوا مسألة التوقيف القانوني لمتهمين بأبشع جريمة هزّت لبنان وما زالت ارتداداتها تضرب لبنان والمنطقة وهي جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، بأنها جريمة عادية وأنهم معتقلون بتعسف وهم سجناء سياسيون.إن هدف فريق المعارضة اللبنانية من كبيرهم الى صغيرهم التدخل القضائي وشرح قانون أصول المحاكمات الجزائية بما يتناسب ورؤيتهم، وباتت كذبة ما يطلقون عليها "الاعتقال التعسفي" عنواناً لخطاباتهم ومقدمة لأحاديثهم السياسية على كل منبر.إنْ كان من حق كل متهم الدفاع عن نفسه وهذا حق مقدس كفلته التشريعات والقوانين إلا أن تحوير نصوص القوانين الداخلية والدولية والاتفاقات والمعاهدات، والادعاء زوراً أن هنالك اعتقالاً تعسفياً في ملف ليس فيه هذا الأمر، هو بحد ذاته التعسف المستمر في النفاق والكذب. قد يكون هنالك اعتقالات تعسفية في ملفات مختلفة ومركّبة ويعرفها مروّجو الشائعات، فهم مارسوها طوال فترة حكمهم يوم كانوا يركبون الملفات ويعتقلون الناس تعسفاً ليل نهار بحماية السلطات التي كانت تحميهم.كذبة الاعتقال التعسفي التي يروّج لها عن توقيف الضباط باتت مكشوفة، فبعد الادعاء الكاذب أن الأمم المتحدة صنّفت توقيف الضباط بالاعتقال التعسفي، استمر مروّجو الكذب بالسير في هذه الكذبة وتصديق أنفسهم في محاولة لخداع الرأي العام والدولي والضغط على القضاء اللبناني.لا أريد الدخول في مهاترات السياسة التي تحاول الضغط على القضاء اللبناني باتجاه إخلاء سبيل المتهمين، خصوصاً الهجمات المركّزة على عمل النيابة العامة التمييزية ومحاولة استهداف النائب العام التمييزي الرئيس سعيد ميرزا وفريق عمله، وهي حملات باتت مكشوفة ومفضوحة لأنها تحاول أن تستهدف عمل قاضٍ رصين شريف يشهد القاصي والداني على إخلاصه وتفانيه وسهره الدؤوب في العمل على كشف الحقائق، وصمته المدوي في خدمة العدالة، ولقد جاءت كل التقارير الدولية التي أصدرتها لجنة التحقيق الدولية المكلّفة بملف اغتيال الرئيس الحريري لتؤكد هذه المصداقية والمهنية الرفيعة، والتي باتت علامة فارقة في تاريخ القضاء اللبناني. ولعل ما يقوم به الرئيس ميرزا هو النأي عن التدخلات السياسية التي تحاول أن تجتاح القضاء اللبناني كل يوم، وهو المدافع الأول عن السلطة القضائية التي هي السلطة الدستورية الوحيدة التي ما زالت قائمة تصارع أعاصير الهدم ويُراد لها التعطيل كباقي السلطتين التشريعية والتنفيذية اللتين عطّلتا بالأيدي نفسها التي تحاول استهداف القضاء كل يوم.إن القانونيين الضالعين في ميدان القانون الدولي يعرفون أن ما يثار حول مفهوم الاعتقال التعسفي بحق المتهمين في ملف اغتيال الحريري، ما هو إلا كذبة كبيرة تم فبركتها، لأن الأمم المتحدة لم تطلق على الضباط الموقوفين صفة الاعتقال التعسفي وسنشرح الآلية القانونية لهذه العملية وكيفية عملها واتخاذها القرارات بشأن عمليات التوقيف وما إذا كانت تعسفية أم لا، وهنا لا بد من الإشارة الى أن فريق العمل المعني بالاعتقال التعسفي لم يصدر أبداً قراراً يصف به اعتقال الضباط الأربعة بالاعتقال التعسفي، وسأحاول تبيان عمل هذا الفريق والوسائل التي يستعملها وكيفية اتخاذه للقرارات في ضوء ملف المتهمين الموقوفين في قضية اغتيال الرئيس الحريري لتبيان بصورة أكيدة أن ما يُقال بأنه توقيف تعسفي هو كلام كذب وافتراء ومخالف لشرعة الأمم المتحدة ولنظام فريق العمل المعني بالاعتقال التعسفي.الفريق العامل المعني بالاحتجاز القسريتتمثل صلاحيات هذا الفريق في استقصاء حالات سلب الحرية التي تُفرض تعسفاً على نحو يخالف الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948)، ومجموعة المبادئ المتعلقة بجميع الأشخاص الذين يتعرضون لأي شكل من أشكال الاحتجاز أو السجن (1948) والصكوك الدولية الأخرى ذات الصلة التي قبلتها الدول المعنية.كما كُلف الفريق المذكور بأن يخصص كل الاهتمام اللازم للتقارير المتصلة بحالة المهاجرين وطالبي اللجوء الذين يُزعم أنهم محتجزون لفترات طويلة قيد الاعتقال الإداري من دون أن يُتاح لهم أي سبيل إداري أو قضائي للإنصاف. وأن يدرج ملاحظات بهذا الشأن في تقريره القرار رقم 50/1997. كما شدد هذا القرار بعض القيود على عمل الفريق التي كانت اللجنة قد دعت إليها، وهي عدم تطبيق العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (1996) أو غيره من المعاهدات الدولية الأخرى ذات الصلة الخاصة بحقوق الإنسان على الدول التي ليست بعد أطرافاً فيها، وأن يقدم "آراء" حول الحالات التي تُعرض له بدلاً من البت فيها "بقرارات". وطلبت منه أن يعيد فحص منهجه في العمل، خصوصاً في ما يتعلق بمعايير قبول الشكاوى المقدمة ومراعاة المرونة في تطبيق فترة التسعين يوماً، وهي الحد النهائي المسموح به لردّ الحكومات على استفساراته.ويدرس الفريق الشكاوى المتعلقة بحالات فردية مما يُزعم أنه اعتقال تعسفي لكي يبت في ما إذا كان هذا الاعتقال تعسفياً. ويظل ملف الحالة مفتوحاً الى أن يحصل الفريق على معلومات كافية تتيح له اتخاذ قرار. وعادة ما يكون تدخل الفريق لدراسة إحدى الحالات ناجماً عن بلاغات أُرسلت إليه، من عائلة الشخص المعتقل أو من يمثله أو من منظمات غير حكومية أو حكومات أو منظمات حكومية دورية. ويجوز للفريق بمبادرة منه أن يعالج إحدى الحالات التي قد تمثل حرماناً تعسفياً من الحرية. ولا يلزم استنفاد سبل الإنصاف المحلية يمكن للفريق أن يعلن عدم جواز قبول البلاغ من دون صدور حكم نهائي من محكمة محلية للإعلان عن عدم جواز قبول البلاغ.ويجوز للفريق، بناء على دعوة الحكومات، أن يزور أماكن الاحتجاز للإطمئنان على سلامة أوضاع الاحتجاز، وكذلك الوضع القانوني للسجناء.أنواع الاحتجاز التعسفييشير الفريق، كقاعدة عامة في تعامله مع حالات السلب التعسفي للحرية، الى الفئات الثلاث الآتية:الفئة الأولى: الحالات التي يكون فيها سلب الحرية تعسفياً لأنه لا يمكن ربطه بوضوح بأي أساس قضائي، مثل استمرار احتجاز السجين بعد استيفاء العقوبة أو على الرغم من أن أحكام قوانين العفو العام تنطبق عليه.الفئة الثانية: الحالات التي ينشأ فيها سلب الحرية من ممارسة الفرد لحقوقه الأساسية أو حرياته المكفولة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948)، خصوصاً المواد 7 و13 و14 و18 و19 و20 و21 وللبلدان الأطراف في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (1966) المواد 12 و18 و19 و21 و22 و25 و26 و27 من العهد المذكور. وهي المواد التي تشير الى حرية الفكر والضمير والدين والرأي والتعبير والتجمع السلمي وتكوين الجمعيات والانضمام إليها.الفئة الثالثة: الحالات التي يكون فيها عدم الامتثال لكل أو بعض أحكام القواعد الدولية المتصلة بالحق في محاكمة عادلة، المنصوص عليه في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وفي الصكوك الدولية ذات الصلة التي قبلتها الدول المعنية.فحص الحالات الفرديةيجب تقديم الشكاوى كتابة، ويجب أن تتضمن على قدر المستطاع المعلومات الآتية:* هوية الشخص المقبوض عليه أو المحتجز.* تاريخ ومكان القبض على الشخص أو احتجازه، والجهة المسؤولة عن ذلك، وجميع المعلومات الأخرى المتاحة.* الأسباب التي بررت بها السلطات القبض عليه أو احتجازه أو الجرائم التي اتهم بارتكابها.* التشريع المطبق على الحالة.* الخطوات التي اتخذت على الصعيد الوطني لمراجعة الاحتجاز، خصوصاً الاتصالات التي جرت مع السلطات الإدارية والقانونية، والنتائج التي أسفرت عنها أو الأسباب التي حالت دون وصول هذه الخطوات إلى نتائج فعّالة أو عرقلت اتخاذها.* وصف موجز للأسباب التي تدعو لاعتبار الحالة احتجازاً تعسفياً.* البيانات الكاملة للشخص مقدم المعلومات.كيفية معالجة الحالاتأولاً: إتاحة الفرصة للحكومات لتفنيد المزاعمتُحال الحالات التي يرى الفريق أنها تمثل نوعاً من الاحتجاز التعسفي إلى الحكومة المعنية، مع دعوة لها بالرد على الفريق، في مدة يحبذ ألا تزيد على 90 يوماً، بشأن وقائع الحالة والتشريعات ذات الصلة. والمطلوب من الحكومة أيضاً أن تقدم معلومات عن سير التقدم في أي تحقيقات قد تكون أمرت بإجرائها وعن النتائج التي تتوصل إليها. قرر الفريق العامل، اعتباراً من دورته الثامنة عشرة في أيار 1957 أن يبلغ الحكومات التي يحيل الشكاوى الفردية بأنها إن رغبت في تمديد مهلة التسعين يوماً الممنوحة لها لكي تقدم رداً، فعليها أن تبلغ الفريق بأسباب هذا الطلب، حتى يتمكن من منحها، إذا دعت الضرورة إلى ذلك، مهلة أخرى لا تزيد على شهرين لتقديم الرد.ثانياً: آراء الفريق العاملينتهي الفريق العامل، في ضوء المعلومات التي تم جمعها، إلى أحد الآراء التالية:* إذا كان قد أفرج عن صاحب الحالة منذ أن بدأ الفريق في بحثها، يمكنه أن يقرر من حيث المبدأ حفظ الشكوى. ومع هذا، فالفريق يحتفظ بحقه في أن يقرر ما إذا كان الاحتجاز تعسفياً أم غير تعسفي عندما تمس ملابسات الاحتجاز مسألة المبدأ أو عندما تكون ذات طبيعة بالغة الخطورة.* للفريق العامل أن يعتبر أن الحالة ليست ضرباً من الاحتجاز التعسفي.* يجوز للفريق العامل أن يبقي ملف الحالة مفتوحاً بينما يسعى إلى جمع المزيد من المعلومات من الحكومة المعنية أو من مصدر الشكوى.* يجوز للفريق العامل أن يحفظ الشكوى إذا اعتبر أنه ليس في موقف يتيح له الحصول على معلومات كافية.* إذا اعتبر الفريق العامل أن الطبيعة التعسفية للاحتجاز ثابتة، يعلن أن الحالة قيد النظر تمثل ضرباً من الاحتجاز التعسفي ويرفع توصيات للحكومة المعنية.ثالثاً: مداولات الفريق العامليجوز للفريق العامل أيضاً أن يعتمد موقفاً نابعاً من المبادئ إزاء بعض الأمور ذات الطبيعة العامة ابتغاء إرساء مجموعة منسقة من المبادئ للوقاية من ممارسات الاحتجاز التعسفي ومساعدة الدول على تطبيق هذه المبادئ بهدف منعها، ويطلق على تلك العملية مصطلح "المداولات". وقد أجرى الفريق العامل بالفعل "مداولات" بشأن تحديد الإقامة في المنازل وسلب الحرية بغرض إعادة التأهيل عن طريق العمل. ومن خلال هذه "المداولات"، يحدّد الفريق المعايير التي يجوز بناء عليها اعتبار سلب الحرية المرتبط بهذه الحالات ضرباً من الاحتجاز التعسفي.إجراء المناشدات العاجلةوضع الفريق نظاماً من الإجراءات العاجلة لبحث الحالات التي توجد بشأنها مزاعم يمكن الركون إلى صدقها بصورة كافية حول احتجاز شخص ما تعسفاً مع احتمال أن يمثل استمرار احتجازه خطراً بالغاً على صحته. كما يجوز للفريق أن يلجأ إلى المناشدات العاجلة في حالات أخرى عندما يرى أن الوضع يبرر توجيه مناشدة (مثل التقاعس عن الإفراج عن شخص ما رغم وجود حكم من المحكمة يفيد ذلك). وفي مثل هذه الحالة، يرسل الفريق مناشدة عاجلة إلى الحكومة المعنية يطلب فيها منها أن تتخذ تدابير عاجلة لضمان احترام حق الشخص المحتجز في الحياة وفي السلامة البدنية والنفسية. ولا تخلو هذه المناشدة بتقييم الفريق في نهاية الأمر للحالة، من حيث انها تمثل أو لا تمثل ضرباً من الاحتجاز التعسفي. ويجوز للفريق، عندما يرى أن الحالة الصحية للمحتجز مثيرة للقلق بصورة بالغة، أن يناشد الحكومة أن تفكر في الإفراج عنه دون إبطاء.ردود الحكومات وتوضيح الحالاتيحيل الفريق أي رد يصله من الحكومة إلى مصدر الشكوى لكي يضيف إليها تعليقاته وملاحظاته.فإذا لم ترسل الحكومة للفريق ردها في غضون المدة المحدّدة، يجوز للفريق أن يتخذ موقفاً بشأن الحالة بناء على المعلومات المتاحة. وتنشر الآراء النهائية للفريق العامل في تقريره المقدم إلى اللجنة كل عام.مجالات تقع خارج اختصاص الفريقكثيراً ما يتلقى الفريق بلاغات تطلب منه أن يعلن "الطابع غير العادل" لحالة من الحرمان من الحرية أو يبدي رأياً في قيمة الأدلة المقدمة خلال محاكمة. وهذه مجالات تقع خارج اختصاص الفريق، وليس للفريق أن يقيم الوقائع والأدلة في قضية معينة أو يحل محل محاكم الاستئناف المحلية في اتخاذ القرارات بإخلاء السبيل.وعليه فإن حالة توقيف الضباط المتهمين في قضية اغتيال الرئيس الحريري لا تقع في صلاحية النظر فيها بالأساس من قبل هذا الفريق، وإن قبل الفريق النظر شكلاً فيها، فإن جوابه النهائي سيكون رد هذه الادعاءات كون توقيف الضباط الأربعة هو توقيف قضائي، صادر عن سلطة قضائية مستقلة تخضع للدستور وللقوانين في اتخاذها لقرار التوقيف وفقاً لقانون أصول المحاكمات الجزائية اللبناني، ويتمتع بقراره هذا بدعم لجنة التحقيق الدولية المشكلة بموجب قرار مجلس الأمن الدولي، وبالتالي فإن الادعاءات الكاذبة بالقول بوجود توقيف تعسفي إنما هو ادعاء تعسفي مضلل مسيء، يهدف للضغط على القضاء اللبناني لاتخاذ قرارات تنسجم ومصالح المتهمين.(*) محام بالاستئناف
المستقبل - الخميس 1 أيار 2008 - العدد 2949 - مخافر و محاكم - صفحة 9
طارق شندب(*)
لا يخفى على أحد كيف يحاول المتورطون في جرائم القتل والتهديد وإساءة استعمال السلطات والمخرّبون والمعطّلون ومن يقف وراءهم أن يطرحوا مسألة التوقيف القانوني لمتهمين بأبشع جريمة هزّت لبنان وما زالت ارتداداتها تضرب لبنان والمنطقة وهي جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، بأنها جريمة عادية وأنهم معتقلون بتعسف وهم سجناء سياسيون.إن هدف فريق المعارضة اللبنانية من كبيرهم الى صغيرهم التدخل القضائي وشرح قانون أصول المحاكمات الجزائية بما يتناسب ورؤيتهم، وباتت كذبة ما يطلقون عليها "الاعتقال التعسفي" عنواناً لخطاباتهم ومقدمة لأحاديثهم السياسية على كل منبر.إنْ كان من حق كل متهم الدفاع عن نفسه وهذا حق مقدس كفلته التشريعات والقوانين إلا أن تحوير نصوص القوانين الداخلية والدولية والاتفاقات والمعاهدات، والادعاء زوراً أن هنالك اعتقالاً تعسفياً في ملف ليس فيه هذا الأمر، هو بحد ذاته التعسف المستمر في النفاق والكذب. قد يكون هنالك اعتقالات تعسفية في ملفات مختلفة ومركّبة ويعرفها مروّجو الشائعات، فهم مارسوها طوال فترة حكمهم يوم كانوا يركبون الملفات ويعتقلون الناس تعسفاً ليل نهار بحماية السلطات التي كانت تحميهم.كذبة الاعتقال التعسفي التي يروّج لها عن توقيف الضباط باتت مكشوفة، فبعد الادعاء الكاذب أن الأمم المتحدة صنّفت توقيف الضباط بالاعتقال التعسفي، استمر مروّجو الكذب بالسير في هذه الكذبة وتصديق أنفسهم في محاولة لخداع الرأي العام والدولي والضغط على القضاء اللبناني.لا أريد الدخول في مهاترات السياسة التي تحاول الضغط على القضاء اللبناني باتجاه إخلاء سبيل المتهمين، خصوصاً الهجمات المركّزة على عمل النيابة العامة التمييزية ومحاولة استهداف النائب العام التمييزي الرئيس سعيد ميرزا وفريق عمله، وهي حملات باتت مكشوفة ومفضوحة لأنها تحاول أن تستهدف عمل قاضٍ رصين شريف يشهد القاصي والداني على إخلاصه وتفانيه وسهره الدؤوب في العمل على كشف الحقائق، وصمته المدوي في خدمة العدالة، ولقد جاءت كل التقارير الدولية التي أصدرتها لجنة التحقيق الدولية المكلّفة بملف اغتيال الرئيس الحريري لتؤكد هذه المصداقية والمهنية الرفيعة، والتي باتت علامة فارقة في تاريخ القضاء اللبناني. ولعل ما يقوم به الرئيس ميرزا هو النأي عن التدخلات السياسية التي تحاول أن تجتاح القضاء اللبناني كل يوم، وهو المدافع الأول عن السلطة القضائية التي هي السلطة الدستورية الوحيدة التي ما زالت قائمة تصارع أعاصير الهدم ويُراد لها التعطيل كباقي السلطتين التشريعية والتنفيذية اللتين عطّلتا بالأيدي نفسها التي تحاول استهداف القضاء كل يوم.إن القانونيين الضالعين في ميدان القانون الدولي يعرفون أن ما يثار حول مفهوم الاعتقال التعسفي بحق المتهمين في ملف اغتيال الحريري، ما هو إلا كذبة كبيرة تم فبركتها، لأن الأمم المتحدة لم تطلق على الضباط الموقوفين صفة الاعتقال التعسفي وسنشرح الآلية القانونية لهذه العملية وكيفية عملها واتخاذها القرارات بشأن عمليات التوقيف وما إذا كانت تعسفية أم لا، وهنا لا بد من الإشارة الى أن فريق العمل المعني بالاعتقال التعسفي لم يصدر أبداً قراراً يصف به اعتقال الضباط الأربعة بالاعتقال التعسفي، وسأحاول تبيان عمل هذا الفريق والوسائل التي يستعملها وكيفية اتخاذه للقرارات في ضوء ملف المتهمين الموقوفين في قضية اغتيال الرئيس الحريري لتبيان بصورة أكيدة أن ما يُقال بأنه توقيف تعسفي هو كلام كذب وافتراء ومخالف لشرعة الأمم المتحدة ولنظام فريق العمل المعني بالاعتقال التعسفي.الفريق العامل المعني بالاحتجاز القسريتتمثل صلاحيات هذا الفريق في استقصاء حالات سلب الحرية التي تُفرض تعسفاً على نحو يخالف الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948)، ومجموعة المبادئ المتعلقة بجميع الأشخاص الذين يتعرضون لأي شكل من أشكال الاحتجاز أو السجن (1948) والصكوك الدولية الأخرى ذات الصلة التي قبلتها الدول المعنية.كما كُلف الفريق المذكور بأن يخصص كل الاهتمام اللازم للتقارير المتصلة بحالة المهاجرين وطالبي اللجوء الذين يُزعم أنهم محتجزون لفترات طويلة قيد الاعتقال الإداري من دون أن يُتاح لهم أي سبيل إداري أو قضائي للإنصاف. وأن يدرج ملاحظات بهذا الشأن في تقريره القرار رقم 50/1997. كما شدد هذا القرار بعض القيود على عمل الفريق التي كانت اللجنة قد دعت إليها، وهي عدم تطبيق العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (1996) أو غيره من المعاهدات الدولية الأخرى ذات الصلة الخاصة بحقوق الإنسان على الدول التي ليست بعد أطرافاً فيها، وأن يقدم "آراء" حول الحالات التي تُعرض له بدلاً من البت فيها "بقرارات". وطلبت منه أن يعيد فحص منهجه في العمل، خصوصاً في ما يتعلق بمعايير قبول الشكاوى المقدمة ومراعاة المرونة في تطبيق فترة التسعين يوماً، وهي الحد النهائي المسموح به لردّ الحكومات على استفساراته.ويدرس الفريق الشكاوى المتعلقة بحالات فردية مما يُزعم أنه اعتقال تعسفي لكي يبت في ما إذا كان هذا الاعتقال تعسفياً. ويظل ملف الحالة مفتوحاً الى أن يحصل الفريق على معلومات كافية تتيح له اتخاذ قرار. وعادة ما يكون تدخل الفريق لدراسة إحدى الحالات ناجماً عن بلاغات أُرسلت إليه، من عائلة الشخص المعتقل أو من يمثله أو من منظمات غير حكومية أو حكومات أو منظمات حكومية دورية. ويجوز للفريق بمبادرة منه أن يعالج إحدى الحالات التي قد تمثل حرماناً تعسفياً من الحرية. ولا يلزم استنفاد سبل الإنصاف المحلية يمكن للفريق أن يعلن عدم جواز قبول البلاغ من دون صدور حكم نهائي من محكمة محلية للإعلان عن عدم جواز قبول البلاغ.ويجوز للفريق، بناء على دعوة الحكومات، أن يزور أماكن الاحتجاز للإطمئنان على سلامة أوضاع الاحتجاز، وكذلك الوضع القانوني للسجناء.أنواع الاحتجاز التعسفييشير الفريق، كقاعدة عامة في تعامله مع حالات السلب التعسفي للحرية، الى الفئات الثلاث الآتية:الفئة الأولى: الحالات التي يكون فيها سلب الحرية تعسفياً لأنه لا يمكن ربطه بوضوح بأي أساس قضائي، مثل استمرار احتجاز السجين بعد استيفاء العقوبة أو على الرغم من أن أحكام قوانين العفو العام تنطبق عليه.الفئة الثانية: الحالات التي ينشأ فيها سلب الحرية من ممارسة الفرد لحقوقه الأساسية أو حرياته المكفولة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948)، خصوصاً المواد 7 و13 و14 و18 و19 و20 و21 وللبلدان الأطراف في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (1966) المواد 12 و18 و19 و21 و22 و25 و26 و27 من العهد المذكور. وهي المواد التي تشير الى حرية الفكر والضمير والدين والرأي والتعبير والتجمع السلمي وتكوين الجمعيات والانضمام إليها.الفئة الثالثة: الحالات التي يكون فيها عدم الامتثال لكل أو بعض أحكام القواعد الدولية المتصلة بالحق في محاكمة عادلة، المنصوص عليه في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وفي الصكوك الدولية ذات الصلة التي قبلتها الدول المعنية.فحص الحالات الفرديةيجب تقديم الشكاوى كتابة، ويجب أن تتضمن على قدر المستطاع المعلومات الآتية:* هوية الشخص المقبوض عليه أو المحتجز.* تاريخ ومكان القبض على الشخص أو احتجازه، والجهة المسؤولة عن ذلك، وجميع المعلومات الأخرى المتاحة.* الأسباب التي بررت بها السلطات القبض عليه أو احتجازه أو الجرائم التي اتهم بارتكابها.* التشريع المطبق على الحالة.* الخطوات التي اتخذت على الصعيد الوطني لمراجعة الاحتجاز، خصوصاً الاتصالات التي جرت مع السلطات الإدارية والقانونية، والنتائج التي أسفرت عنها أو الأسباب التي حالت دون وصول هذه الخطوات إلى نتائج فعّالة أو عرقلت اتخاذها.* وصف موجز للأسباب التي تدعو لاعتبار الحالة احتجازاً تعسفياً.* البيانات الكاملة للشخص مقدم المعلومات.كيفية معالجة الحالاتأولاً: إتاحة الفرصة للحكومات لتفنيد المزاعمتُحال الحالات التي يرى الفريق أنها تمثل نوعاً من الاحتجاز التعسفي إلى الحكومة المعنية، مع دعوة لها بالرد على الفريق، في مدة يحبذ ألا تزيد على 90 يوماً، بشأن وقائع الحالة والتشريعات ذات الصلة. والمطلوب من الحكومة أيضاً أن تقدم معلومات عن سير التقدم في أي تحقيقات قد تكون أمرت بإجرائها وعن النتائج التي تتوصل إليها. قرر الفريق العامل، اعتباراً من دورته الثامنة عشرة في أيار 1957 أن يبلغ الحكومات التي يحيل الشكاوى الفردية بأنها إن رغبت في تمديد مهلة التسعين يوماً الممنوحة لها لكي تقدم رداً، فعليها أن تبلغ الفريق بأسباب هذا الطلب، حتى يتمكن من منحها، إذا دعت الضرورة إلى ذلك، مهلة أخرى لا تزيد على شهرين لتقديم الرد.ثانياً: آراء الفريق العاملينتهي الفريق العامل، في ضوء المعلومات التي تم جمعها، إلى أحد الآراء التالية:* إذا كان قد أفرج عن صاحب الحالة منذ أن بدأ الفريق في بحثها، يمكنه أن يقرر من حيث المبدأ حفظ الشكوى. ومع هذا، فالفريق يحتفظ بحقه في أن يقرر ما إذا كان الاحتجاز تعسفياً أم غير تعسفي عندما تمس ملابسات الاحتجاز مسألة المبدأ أو عندما تكون ذات طبيعة بالغة الخطورة.* للفريق العامل أن يعتبر أن الحالة ليست ضرباً من الاحتجاز التعسفي.* يجوز للفريق العامل أن يبقي ملف الحالة مفتوحاً بينما يسعى إلى جمع المزيد من المعلومات من الحكومة المعنية أو من مصدر الشكوى.* يجوز للفريق العامل أن يحفظ الشكوى إذا اعتبر أنه ليس في موقف يتيح له الحصول على معلومات كافية.* إذا اعتبر الفريق العامل أن الطبيعة التعسفية للاحتجاز ثابتة، يعلن أن الحالة قيد النظر تمثل ضرباً من الاحتجاز التعسفي ويرفع توصيات للحكومة المعنية.ثالثاً: مداولات الفريق العامليجوز للفريق العامل أيضاً أن يعتمد موقفاً نابعاً من المبادئ إزاء بعض الأمور ذات الطبيعة العامة ابتغاء إرساء مجموعة منسقة من المبادئ للوقاية من ممارسات الاحتجاز التعسفي ومساعدة الدول على تطبيق هذه المبادئ بهدف منعها، ويطلق على تلك العملية مصطلح "المداولات". وقد أجرى الفريق العامل بالفعل "مداولات" بشأن تحديد الإقامة في المنازل وسلب الحرية بغرض إعادة التأهيل عن طريق العمل. ومن خلال هذه "المداولات"، يحدّد الفريق المعايير التي يجوز بناء عليها اعتبار سلب الحرية المرتبط بهذه الحالات ضرباً من الاحتجاز التعسفي.إجراء المناشدات العاجلةوضع الفريق نظاماً من الإجراءات العاجلة لبحث الحالات التي توجد بشأنها مزاعم يمكن الركون إلى صدقها بصورة كافية حول احتجاز شخص ما تعسفاً مع احتمال أن يمثل استمرار احتجازه خطراً بالغاً على صحته. كما يجوز للفريق أن يلجأ إلى المناشدات العاجلة في حالات أخرى عندما يرى أن الوضع يبرر توجيه مناشدة (مثل التقاعس عن الإفراج عن شخص ما رغم وجود حكم من المحكمة يفيد ذلك). وفي مثل هذه الحالة، يرسل الفريق مناشدة عاجلة إلى الحكومة المعنية يطلب فيها منها أن تتخذ تدابير عاجلة لضمان احترام حق الشخص المحتجز في الحياة وفي السلامة البدنية والنفسية. ولا تخلو هذه المناشدة بتقييم الفريق في نهاية الأمر للحالة، من حيث انها تمثل أو لا تمثل ضرباً من الاحتجاز التعسفي. ويجوز للفريق، عندما يرى أن الحالة الصحية للمحتجز مثيرة للقلق بصورة بالغة، أن يناشد الحكومة أن تفكر في الإفراج عنه دون إبطاء.ردود الحكومات وتوضيح الحالاتيحيل الفريق أي رد يصله من الحكومة إلى مصدر الشكوى لكي يضيف إليها تعليقاته وملاحظاته.فإذا لم ترسل الحكومة للفريق ردها في غضون المدة المحدّدة، يجوز للفريق أن يتخذ موقفاً بشأن الحالة بناء على المعلومات المتاحة. وتنشر الآراء النهائية للفريق العامل في تقريره المقدم إلى اللجنة كل عام.مجالات تقع خارج اختصاص الفريقكثيراً ما يتلقى الفريق بلاغات تطلب منه أن يعلن "الطابع غير العادل" لحالة من الحرمان من الحرية أو يبدي رأياً في قيمة الأدلة المقدمة خلال محاكمة. وهذه مجالات تقع خارج اختصاص الفريق، وليس للفريق أن يقيم الوقائع والأدلة في قضية معينة أو يحل محل محاكم الاستئناف المحلية في اتخاذ القرارات بإخلاء السبيل.وعليه فإن حالة توقيف الضباط المتهمين في قضية اغتيال الرئيس الحريري لا تقع في صلاحية النظر فيها بالأساس من قبل هذا الفريق، وإن قبل الفريق النظر شكلاً فيها، فإن جوابه النهائي سيكون رد هذه الادعاءات كون توقيف الضباط الأربعة هو توقيف قضائي، صادر عن سلطة قضائية مستقلة تخضع للدستور وللقوانين في اتخاذها لقرار التوقيف وفقاً لقانون أصول المحاكمات الجزائية اللبناني، ويتمتع بقراره هذا بدعم لجنة التحقيق الدولية المشكلة بموجب قرار مجلس الأمن الدولي، وبالتالي فإن الادعاءات الكاذبة بالقول بوجود توقيف تعسفي إنما هو ادعاء تعسفي مضلل مسيء، يهدف للضغط على القضاء اللبناني لاتخاذ قرارات تنسجم ومصالح المتهمين.(*) محام بالاستئناف
No comments:
Post a Comment