رئيس فريق الادعاء في محكمة سيراليون لوك كوتيه لـ«السفير»: لم أسمع بسوابق لطريقة ميليس في مواجهة الشهود بالمشتبه بهم
علي الموسوي
برلين : أن يلتقي المرء القانوني الكندي لوك كوتيه (luc cotè) ويستمع إلى خبرته الدولية العريقة، والتي استمدها من عمله الطويل في غير محكمة دولية، فهذا من دواعي السعادة. هذا الرجل الأشقر السمين صاحب الوجه الطافح بالبسمة، هو مدع عام سابق، وعمل عشرين عاماً في التحقيقات في بلده الأم، وفي محكمة رواندا الدولية، كما أنّه ترأس فريق الادعاء في محكمة سيراليون الدولية، وقدم استشارات قانونية في قضايا عديدة، وقاد لجنة تحقيق في تيمور الشرقية بعدما وجد سكانها ضرورة أن تؤسس الأمم المتحدة لجنة تحقيق، تضمن نوعاً من الحياد، حيث لم تكن مهمته سياسية، بل جنائية، كما يحب أن يؤكد، ومن ثم إصدار تقرير لبرلمان تيمور الشرقية لمعرفة الضالعين في الجرائم، وما رآه مع فريق عمله من جرائم، والأشخاص الذين قتلوا وكيف تمت تصفيتهم. التقت «السفير» لوك كوتيه في العاصمة الألمانية برلين، ووقفت على رؤيته من بعض القضايا والملاحظات المتعلقة بالمحكمة ذات الطابع الدولي الخاصة بلبنان، سواء من حيث أهميتها، وتقييمه لأسلوب القاضي الألماني ديتليف ميليس انطلاقاً من تجربته، ومسألة الشهود واستدعاء سياسيين لبنانيين إلى المثول أمام هيئة المحكمة. وهذه وقائع الحوار الذي جرى في ظل مناخ دافئ قلما تشهده برلين في مثل هذه الايام من العام، وتحت ظلال أشجار مزروعة على جوانب أحد المطاعم الداخلية في «فندق برلين»: ÷ إذا اتضح أن بين القضاة اللبنانيين المعينين في المحكمة ذات الطابع الدولي، قاض سبق له أن اطلع على مجريات التحقيق، وحضر اجتماعات التنسيق بين القضاء اللبناني ولجنة التحقيق الدولية، فهل يمكن رده للشك والارتياب المشروع؟. { نعم ولا في آن معاً، فإذا شارك هذا القاضي في المفاوضات والعملية التي أدت إلى إنشاء المحكمة، فلا بأس، ولكن إذا كان له دور في التحقيقات السابقة، ولا سيما في مايتعلق بمتهمين أمام المحكمة، فمن الممكن رده. وطبعاً سيحاول الفرقاء ووكلاء المتهمين أن يطلبوا رد هذا القاضي، ولكن ليس بالتأكيد أن يؤدّي هذا الأمر إلى نتيجة بإقالته. إن رد قضاة، بما فيهم القضاة اللبنانيون، للريبة، نتيجة تصرفات وتصريحات سابقة تتعلّق بالتحقيق، أو بأحد المشتبه بهم، أو بالأحرى بأحد المتهمين، يشكل سبباً لطلب الرد، وبالتالي، فإن القضاة سيسألون القاضي المشكوك فيه، كما كان يحصل في المحاكم الدولية في يوغوسلافيا ورواندا وسيراليون، عمّا إذا كان يحب أن يستقيل بسبب هذا الطلب، فإذا رفض وقال لا، فإنّ هؤلاء القضاة يدرسون طلب الرد في ما بينهم، ويقررون ما إذا كانت الأسباب موجبة لرده أم لا. ولا توجد إجراءات لطلب رد القاضي أمام المحكمة، فهي لم ترد في نظامها، ولكن يتم تحديدها ضمن القواعد الإجرائية وقواعد الإثبات التي يضعها قضاة المحكمة قبل انطلاق عملهم. وهناك أمثلة كثيرة على ذلك وسوابق عديدة أمام المحاكم الدولية عن حالات رد قضاة، وطبعاً هناك طلبات ردت، وطلبات أخرى جرت الموافقة عليها، واستبدل القاضي بواحد آخر. ÷ كيف يمكن حماية المحكمة من التسييس والتدخلات السياسية؟. { أعتقد بأنّه توجد في نظام المحكمة ضمانات كافية لحمايتها من التسييس، كما أن وجود أكثرية من القضاة غير اللبنانيين، يشكل، بحد ذاته، ضمانة. فالقضاة الدوليون مستقلون عن دولهم، ولا يتلقون الأوامر منها، وقد تم اختيارهم على أساس سيرتهم الذاتية وسمعتهم القانونية والقضائية، وليس على أساس دولهم. كما أن القضاة اللبنانيين خاضعون لنظام المحكمة الذي ينص على أنه لا يحق للقضاة أن يتلقّوا أيّة أوامر من الحكومة اللبنانية، وهم، مثل القضاة الدوليين، سيحلفون اليمين القانونية بالحفاظ على استقلاليتها واحترام نظامها، وهذا ما حصل على الأقل، في محاكم دولية أخرى، وأتوقع أن يحصل الأمر نفسه في المحكمة الخاصة بلبنان، وأنا اعتبر أن حلف اليمين أساسي، ويجب الالتزام به واحترام نظام المحكمة. ولا بد من الإشارة إلى أن المدعي العام هو نفسه، سيحلف اليمين أسوة بالقضاة الآخرين. ميليس والشهود ÷ ما هو رأيك بطريقة مواجهة شاهد بمشتبه به عن طريق إخفاء وجهه، أيّ أنّ المواجهة بينهما لا تكون وجهاً لوجه، وإنّما من خلال تخبئة وجه الشاهد بكيس أو بوجه مخدة، كما فعل القاضي الألماني ديتليف ميليس مع اللواء جميل السيد حيث وضع وجه المخدة في رأس محمد زهير الصدّيق، أو من خلال شريط فيديو كما فعل ميليس نفسه مع اللواء علي الحاج بعرض الصديق عليه في شريط فيديو، وهو أمر مخالف للقانون الدولي؟. { لم أسمع في السابق بحصول حالات مماثلة من هذا النوع، ولكن هناك نقطة مهمة، فيجب أن يميز المرء بين ما قامت به لجنة التحقيق الدولية والتحقيقات التي سيقوم بها مدعي عام المحكمة. فالمدعي العام المذكور خاضع لقواعد صارمة، وعليه أن يحترم الضمانات عندما يقوم باستجواب المشتبه بهم. فالمادة 15 من الملحق المرفق بنظام المحكمة الخاصة بلبنان تحدثت عن الضمانات التي يجب أن تتوافر للمشتبه بهم عند استجوابهم، وعلى المدعي العام أن يلتزم بها، وهي قالت إنه لا يجوز إجبار أي مشتبه فيه يخضع للاستجواب من قبل المدعي العام على تجريم نفسه، أو على الإقرار بالذنب. وتكون للمشتبه فيه حقوق يعلمه بها المدعي العام قبل الاستجواب بلغة يتكلمها ويفهمها. وأيضاً، يجب التمييز بين اللجنة والمحكمة، فاللجنة مستقلة وليست تابعة للمحكمة، وإذا تلقّى المدعي العام تحقيقات لم يتم احترام الضمانات الموجودة في نظام المحكمة فيها، فيمكن إبعاد هذه التحقيقات، وعدم استعمالها، لأنه لن يخاطر بها أمام المحكمة، وخصوصاً أن وكلاء الدفاع عن المتهمين سوف يثيرون هذا الأمر أمام المحكمة، ويتسبب بإشكال، لذلك فإن على المدعي العام أن يستبق هذا الموضوع، وعندها تقرر المحكمة هذه التحقيقات أم لا. ويجب أن نتذكر دائماً بأن الإثباتات والأدلة التي جمعتها لجنة التحقيق الدولية لن يتم قبولها بشكل فوري من جهة المحكمة والمدعي العام الذي سيقوم بدرسها، والدليل على ذلك هو ما جاء في نص المادة 19 من الملحق المرفق بنظام المحكمة والتي تقول بأن المحكمة تتلقى الأدلة التي تم جمعها في ما يتصل بقضايا خاضعة لنظر المحكمة الخاصة قبل إنشاء المحكمة، وقامت بجمعها السلطات الوطنية في لبنان، أو لجنة التحقيق الدولية المستــقلة وفقاً لولايتها المحددة في قرار مجلس الأمن الرقم ,1595 والقرارات اللاحقة، وتقرر دوائر المحكمة مقبولية هذه الأدلة عملاً بالمعايير الدولية المتعلقة بجمع الأدلة، ويعود لدوائر المحكمة تقييم أهمية هذه الأدلة. ÷ ما هو رأيك من خلال خبرتك الدولية، بأسلوب القاضي ميليس في حماية الشهود؟. { لا أستطيع أن أجيب على هذا السؤال لأنني لم أعرف ماذا فعل ميليس لحماية الشهود أو ما لم يفعله، ولكنني أحب أن أذكّر بأنه بغض النظر عن صواب أو خطأ ما حصل في التحقيق، فهذا سوف يتم فحصه من قبل المحكمة، لتحديد ما إذا كان مخالفاً أو مطابقاً للمعايير الدولية. ÷ هل يمكن سماع إفادات الشهود قبل استجواب المتهمين أمام المدعي العام والمحكمة، فهذا عادة قد يحصل في المحاكم اللبنانية؟. { عادة يبدأ المدعي العام بالشهود لكي يتعرف إلى المشتبه بهم، لأنهم هم الذين سيدلون على المشتبه بهم. وهذا الموضوع جرى اعتماده من المحاكم الجنائية الدولية لأن بناء القضية يتم وفقاً لأقوال الشهود، والمتهمون يفضلون ألا يجيبوا على الأسئلة المطروحة عليهم، كما أن محاميهم قد ينصحونهم بالتزام الصمت. وحسب تجربتي الدولية، فإن بناء قضية ما، يتم على أساس أقوال الشهود، لأن المشتبه بهم، أو المتهمين خلال المحاكمة، في أكثر الأحيان، يمتنعون عن الكلام والرد على أسئلة المحكمة، أو المدعي العام إذا كان الأمر يؤثر على قضيتهم، ويتركون الأمر لوكلائهم المحامين. وعادة يتم اتباع هذه الطريقة، فتحقيقات المدعي العام تبدأ بسماع إفادات الشهود والمجني عليهم لتكوين قناعة ما. اختصاص المحكمة ضيق ÷ ماذا استرعى انتباهك في نظام المحكمة الدولية الخاصة بلبنان؟. { لفتني اختصاصها الذي هو ضيّق ومحصور بقضية اغتيال الحريري والقضايا الأخرى. وهذه الجرائم هي جرائم لبنانية داخلية، وليست جرائم دولية كالإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية، بينما اختصاص المحاكم الدولية السابقة يتعلق بجرائم ذات طابع دولي. أمّا بشأن بقية الأمور، فهناك تشابه كبير في البنية والإجراءات، ولكن الفرق واضح في الاختصاص. ÷ هل يمكن لأي موقوف أن يطعن بالتوقيف المبكر في حال تأخّر بدء عمل المحكمة؟. { إن هذا الأمر غير متوافر أمام المحكمة الخاصة بلبنان لأنها لم تبدأ أعمالها بعد، ولكن يجري أمام القضاء اللبناني إذا كانت أنظمته وقوانينه تسمح بذلك. (لا تسمح القوانين اللبنانية بهذا الإجراء ولا يمكن التعويض على الموقوف احتياطياً في حال اتضح أنّه بريء مما نسب إليه). ملاحقة السياسيين ÷ إذا رفض سياسيون لبنانيون الحضور أمام المحكمة كشهود، فماذا يمكن أن يحصل؟ وكيف يمكن للمحكمة أن تُحْضرهم؟. { إذا رفض السياسي الحضور، فيمكن للمحكمة أن تصدر مذكرة جلب بحقه، وإذا لم يخضع لهذه المذكرة، فيمكن لها أن تصدر مذكرة توقيف، ويمكن تنفيذها من خلال التعامل مع السلطات اللبنانية الملزمة بالتعاون بحسب القرار الدولي الرقم 1757 والمتعلق بإنشاء المحكمة. ÷ ولكن هذا الوضع قد يقود إلى حرب أهلية في لبنان؟. { للأسف، أعرف ذلك. وبحسب تجربتي، فإن الشاهد عندما يرفض أن يمثل أمام المحكمة، فإن وكلاء الدفاع والمدعي العام لا يجبرونه على الحضور، لأنه يمكن أن يدلي بشهادة تتعارض مع ما ينسبه كل فريق منهم أمام المحكمة.
علي الموسوي
برلين : أن يلتقي المرء القانوني الكندي لوك كوتيه (luc cotè) ويستمع إلى خبرته الدولية العريقة، والتي استمدها من عمله الطويل في غير محكمة دولية، فهذا من دواعي السعادة. هذا الرجل الأشقر السمين صاحب الوجه الطافح بالبسمة، هو مدع عام سابق، وعمل عشرين عاماً في التحقيقات في بلده الأم، وفي محكمة رواندا الدولية، كما أنّه ترأس فريق الادعاء في محكمة سيراليون الدولية، وقدم استشارات قانونية في قضايا عديدة، وقاد لجنة تحقيق في تيمور الشرقية بعدما وجد سكانها ضرورة أن تؤسس الأمم المتحدة لجنة تحقيق، تضمن نوعاً من الحياد، حيث لم تكن مهمته سياسية، بل جنائية، كما يحب أن يؤكد، ومن ثم إصدار تقرير لبرلمان تيمور الشرقية لمعرفة الضالعين في الجرائم، وما رآه مع فريق عمله من جرائم، والأشخاص الذين قتلوا وكيف تمت تصفيتهم. التقت «السفير» لوك كوتيه في العاصمة الألمانية برلين، ووقفت على رؤيته من بعض القضايا والملاحظات المتعلقة بالمحكمة ذات الطابع الدولي الخاصة بلبنان، سواء من حيث أهميتها، وتقييمه لأسلوب القاضي الألماني ديتليف ميليس انطلاقاً من تجربته، ومسألة الشهود واستدعاء سياسيين لبنانيين إلى المثول أمام هيئة المحكمة. وهذه وقائع الحوار الذي جرى في ظل مناخ دافئ قلما تشهده برلين في مثل هذه الايام من العام، وتحت ظلال أشجار مزروعة على جوانب أحد المطاعم الداخلية في «فندق برلين»: ÷ إذا اتضح أن بين القضاة اللبنانيين المعينين في المحكمة ذات الطابع الدولي، قاض سبق له أن اطلع على مجريات التحقيق، وحضر اجتماعات التنسيق بين القضاء اللبناني ولجنة التحقيق الدولية، فهل يمكن رده للشك والارتياب المشروع؟. { نعم ولا في آن معاً، فإذا شارك هذا القاضي في المفاوضات والعملية التي أدت إلى إنشاء المحكمة، فلا بأس، ولكن إذا كان له دور في التحقيقات السابقة، ولا سيما في مايتعلق بمتهمين أمام المحكمة، فمن الممكن رده. وطبعاً سيحاول الفرقاء ووكلاء المتهمين أن يطلبوا رد هذا القاضي، ولكن ليس بالتأكيد أن يؤدّي هذا الأمر إلى نتيجة بإقالته. إن رد قضاة، بما فيهم القضاة اللبنانيون، للريبة، نتيجة تصرفات وتصريحات سابقة تتعلّق بالتحقيق، أو بأحد المشتبه بهم، أو بالأحرى بأحد المتهمين، يشكل سبباً لطلب الرد، وبالتالي، فإن القضاة سيسألون القاضي المشكوك فيه، كما كان يحصل في المحاكم الدولية في يوغوسلافيا ورواندا وسيراليون، عمّا إذا كان يحب أن يستقيل بسبب هذا الطلب، فإذا رفض وقال لا، فإنّ هؤلاء القضاة يدرسون طلب الرد في ما بينهم، ويقررون ما إذا كانت الأسباب موجبة لرده أم لا. ولا توجد إجراءات لطلب رد القاضي أمام المحكمة، فهي لم ترد في نظامها، ولكن يتم تحديدها ضمن القواعد الإجرائية وقواعد الإثبات التي يضعها قضاة المحكمة قبل انطلاق عملهم. وهناك أمثلة كثيرة على ذلك وسوابق عديدة أمام المحاكم الدولية عن حالات رد قضاة، وطبعاً هناك طلبات ردت، وطلبات أخرى جرت الموافقة عليها، واستبدل القاضي بواحد آخر. ÷ كيف يمكن حماية المحكمة من التسييس والتدخلات السياسية؟. { أعتقد بأنّه توجد في نظام المحكمة ضمانات كافية لحمايتها من التسييس، كما أن وجود أكثرية من القضاة غير اللبنانيين، يشكل، بحد ذاته، ضمانة. فالقضاة الدوليون مستقلون عن دولهم، ولا يتلقون الأوامر منها، وقد تم اختيارهم على أساس سيرتهم الذاتية وسمعتهم القانونية والقضائية، وليس على أساس دولهم. كما أن القضاة اللبنانيين خاضعون لنظام المحكمة الذي ينص على أنه لا يحق للقضاة أن يتلقّوا أيّة أوامر من الحكومة اللبنانية، وهم، مثل القضاة الدوليين، سيحلفون اليمين القانونية بالحفاظ على استقلاليتها واحترام نظامها، وهذا ما حصل على الأقل، في محاكم دولية أخرى، وأتوقع أن يحصل الأمر نفسه في المحكمة الخاصة بلبنان، وأنا اعتبر أن حلف اليمين أساسي، ويجب الالتزام به واحترام نظام المحكمة. ولا بد من الإشارة إلى أن المدعي العام هو نفسه، سيحلف اليمين أسوة بالقضاة الآخرين. ميليس والشهود ÷ ما هو رأيك بطريقة مواجهة شاهد بمشتبه به عن طريق إخفاء وجهه، أيّ أنّ المواجهة بينهما لا تكون وجهاً لوجه، وإنّما من خلال تخبئة وجه الشاهد بكيس أو بوجه مخدة، كما فعل القاضي الألماني ديتليف ميليس مع اللواء جميل السيد حيث وضع وجه المخدة في رأس محمد زهير الصدّيق، أو من خلال شريط فيديو كما فعل ميليس نفسه مع اللواء علي الحاج بعرض الصديق عليه في شريط فيديو، وهو أمر مخالف للقانون الدولي؟. { لم أسمع في السابق بحصول حالات مماثلة من هذا النوع، ولكن هناك نقطة مهمة، فيجب أن يميز المرء بين ما قامت به لجنة التحقيق الدولية والتحقيقات التي سيقوم بها مدعي عام المحكمة. فالمدعي العام المذكور خاضع لقواعد صارمة، وعليه أن يحترم الضمانات عندما يقوم باستجواب المشتبه بهم. فالمادة 15 من الملحق المرفق بنظام المحكمة الخاصة بلبنان تحدثت عن الضمانات التي يجب أن تتوافر للمشتبه بهم عند استجوابهم، وعلى المدعي العام أن يلتزم بها، وهي قالت إنه لا يجوز إجبار أي مشتبه فيه يخضع للاستجواب من قبل المدعي العام على تجريم نفسه، أو على الإقرار بالذنب. وتكون للمشتبه فيه حقوق يعلمه بها المدعي العام قبل الاستجواب بلغة يتكلمها ويفهمها. وأيضاً، يجب التمييز بين اللجنة والمحكمة، فاللجنة مستقلة وليست تابعة للمحكمة، وإذا تلقّى المدعي العام تحقيقات لم يتم احترام الضمانات الموجودة في نظام المحكمة فيها، فيمكن إبعاد هذه التحقيقات، وعدم استعمالها، لأنه لن يخاطر بها أمام المحكمة، وخصوصاً أن وكلاء الدفاع عن المتهمين سوف يثيرون هذا الأمر أمام المحكمة، ويتسبب بإشكال، لذلك فإن على المدعي العام أن يستبق هذا الموضوع، وعندها تقرر المحكمة هذه التحقيقات أم لا. ويجب أن نتذكر دائماً بأن الإثباتات والأدلة التي جمعتها لجنة التحقيق الدولية لن يتم قبولها بشكل فوري من جهة المحكمة والمدعي العام الذي سيقوم بدرسها، والدليل على ذلك هو ما جاء في نص المادة 19 من الملحق المرفق بنظام المحكمة والتي تقول بأن المحكمة تتلقى الأدلة التي تم جمعها في ما يتصل بقضايا خاضعة لنظر المحكمة الخاصة قبل إنشاء المحكمة، وقامت بجمعها السلطات الوطنية في لبنان، أو لجنة التحقيق الدولية المستــقلة وفقاً لولايتها المحددة في قرار مجلس الأمن الرقم ,1595 والقرارات اللاحقة، وتقرر دوائر المحكمة مقبولية هذه الأدلة عملاً بالمعايير الدولية المتعلقة بجمع الأدلة، ويعود لدوائر المحكمة تقييم أهمية هذه الأدلة. ÷ ما هو رأيك من خلال خبرتك الدولية، بأسلوب القاضي ميليس في حماية الشهود؟. { لا أستطيع أن أجيب على هذا السؤال لأنني لم أعرف ماذا فعل ميليس لحماية الشهود أو ما لم يفعله، ولكنني أحب أن أذكّر بأنه بغض النظر عن صواب أو خطأ ما حصل في التحقيق، فهذا سوف يتم فحصه من قبل المحكمة، لتحديد ما إذا كان مخالفاً أو مطابقاً للمعايير الدولية. ÷ هل يمكن سماع إفادات الشهود قبل استجواب المتهمين أمام المدعي العام والمحكمة، فهذا عادة قد يحصل في المحاكم اللبنانية؟. { عادة يبدأ المدعي العام بالشهود لكي يتعرف إلى المشتبه بهم، لأنهم هم الذين سيدلون على المشتبه بهم. وهذا الموضوع جرى اعتماده من المحاكم الجنائية الدولية لأن بناء القضية يتم وفقاً لأقوال الشهود، والمتهمون يفضلون ألا يجيبوا على الأسئلة المطروحة عليهم، كما أن محاميهم قد ينصحونهم بالتزام الصمت. وحسب تجربتي الدولية، فإن بناء قضية ما، يتم على أساس أقوال الشهود، لأن المشتبه بهم، أو المتهمين خلال المحاكمة، في أكثر الأحيان، يمتنعون عن الكلام والرد على أسئلة المحكمة، أو المدعي العام إذا كان الأمر يؤثر على قضيتهم، ويتركون الأمر لوكلائهم المحامين. وعادة يتم اتباع هذه الطريقة، فتحقيقات المدعي العام تبدأ بسماع إفادات الشهود والمجني عليهم لتكوين قناعة ما. اختصاص المحكمة ضيق ÷ ماذا استرعى انتباهك في نظام المحكمة الدولية الخاصة بلبنان؟. { لفتني اختصاصها الذي هو ضيّق ومحصور بقضية اغتيال الحريري والقضايا الأخرى. وهذه الجرائم هي جرائم لبنانية داخلية، وليست جرائم دولية كالإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية، بينما اختصاص المحاكم الدولية السابقة يتعلق بجرائم ذات طابع دولي. أمّا بشأن بقية الأمور، فهناك تشابه كبير في البنية والإجراءات، ولكن الفرق واضح في الاختصاص. ÷ هل يمكن لأي موقوف أن يطعن بالتوقيف المبكر في حال تأخّر بدء عمل المحكمة؟. { إن هذا الأمر غير متوافر أمام المحكمة الخاصة بلبنان لأنها لم تبدأ أعمالها بعد، ولكن يجري أمام القضاء اللبناني إذا كانت أنظمته وقوانينه تسمح بذلك. (لا تسمح القوانين اللبنانية بهذا الإجراء ولا يمكن التعويض على الموقوف احتياطياً في حال اتضح أنّه بريء مما نسب إليه). ملاحقة السياسيين ÷ إذا رفض سياسيون لبنانيون الحضور أمام المحكمة كشهود، فماذا يمكن أن يحصل؟ وكيف يمكن للمحكمة أن تُحْضرهم؟. { إذا رفض السياسي الحضور، فيمكن للمحكمة أن تصدر مذكرة جلب بحقه، وإذا لم يخضع لهذه المذكرة، فيمكن لها أن تصدر مذكرة توقيف، ويمكن تنفيذها من خلال التعامل مع السلطات اللبنانية الملزمة بالتعاون بحسب القرار الدولي الرقم 1757 والمتعلق بإنشاء المحكمة. ÷ ولكن هذا الوضع قد يقود إلى حرب أهلية في لبنان؟. { للأسف، أعرف ذلك. وبحسب تجربتي، فإن الشاهد عندما يرفض أن يمثل أمام المحكمة، فإن وكلاء الدفاع والمدعي العام لا يجبرونه على الحضور، لأنه يمكن أن يدلي بشهادة تتعارض مع ما ينسبه كل فريق منهم أمام المحكمة.
No comments:
Post a Comment