الخميس 30 تشرين الأول 2008 العدد – 664
سياسة
المحكمة على أبواب الانتخابات: تستمهل أم تستدعي شهوداً؟
نقولا ناصيفتبدو بعض التطورات البطيئة الخطى وكأنها تمهّد لانخراط الموالاة والمعارضة في انتخابات ربيع 2009، من غير أن تُظهرا استعجالهما فتح معركتها. إذ يعمد كل منهما إلى جمع أفضل الأوراق التي تمكّنه من خوضها وسط استقرار حكومي وسياسي وأمني طويل حتى أيار المقبل، عندما يصبح الطرفان وجهاً لوجه أمام تحالفاتهما ولوائحهما والدخول في عرض الشعارات والاتهامات والتشهير بالخيارات واجتذاب الناخبين للسيطرة على الغالبية الجديدة. في ذلك تتكشّف مبرّرات بعض تلك التطورات:1 ـــــ اجتماع الأحد الفائت بين رئيس تيار المستقبل، النائب سعد الحريري والأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصرالله. ورغم أن الحاجة إلى عقده، وهو الأول بينهما منذ أكثر من عامين، أكثر أهمية من النتائج المتوخاة منه لأن أياً منهما ليس في وارد تقديم تنازل للآخر قبل انتخابات 2009 ولا الدخول في تسوية جديدة تؤثر في نتائج انتخابات الربيع، ولا التخلي خصوصاً عن خياراته وحلفائه. ولأن الاحتقان السنّي ـــــ الشيعي أطفأه اتفاق الدوحة حتى الآن على الأقل بفعل تفاهم إقليمي اختبأ وراء هذا الاتفاق، فإن أي تطور في علاقة الزعيمين لا يعدو كونه تبريداً للتشنج الداخلي وتعزيزاً للاستقرار دون التخلي عن الأسباب الجوهرية للخلاف السياسي. بل في واقع الأمر للتناقض العميق بين خيارات قوى 14 آذار والمعارضة. هكذا جاء اللقاء ليكرّس مرجعية الحريري ونصر الله في ضبط مسار نزاع الكتلتين القويتين اللتين تقفان خلف كل منهما، وإبقاء التناحر في نطاق المؤسسات والاستحقاقات في آن واحد إلى أن يربح أحدهما الغالبية النيابية.2 ــــــ مع أن الاهتمام المباشر بالمحكمة الدولية يبدو منحسراً راهناً، إلا أنه سيصبح أكثر إلحاحاً بعد مطلع السنة الجديدة، وعندما يقترب موعد الانتخابات النيابية. ذلك أن رئيس لجنة التحقيق الدولية القاضي دانيال بلمار سيرفع تقريره الأخير إلى مجلس الأمن في 31 كانون الأول توطئة للانتقال إلى مرحلة عمل المحكمة الدولية، من غير أن يُظهر استعجاله لإنهاء مهمته محققاً دولياً في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري. يفتح باب التكهّن باكراً في مغزى تزامن عمل المحكمة وانطلاق الحملات الانتخابية. ومن دون أن يكون ثمّة رابط مباشر بينهما، فإن توظيف بدء مسار المحكمة في الانتخابات سيكون من باب لزوم ما لا يلزم نظراً إلى حاجة بعض الأفرقاء ـــــ ولا سيما بعض الموالاة ـــــ إلى دور للمحكمة فاعل في توجيه نتائج الانتخابات والسعي إلى الفوز القوي بها بجعل المحكمة إحدى أدوات المعركة الانتخابية. ويبدو هذا التبرير واقعياً عندما تجد المحكمة نفسها، لأسباب تتصل بآلية عملها لا بحسن نيّتها ولا بسوء نيّتها، ولا حتماً بما يجري في لبنان ولا بما يتصل بالصراع على الانتخابات النيابية ـــــ تطلب الاستماع إلى إفادات شهود لبنانيين معارضين حلفاء لسوريا. حتى لو لم يذهب أي من هؤلاء إلى مقرّها، فإن تداول اسمه كشاهد دُعي إلى المحكمة كاف للتشهير به واتهامه سياسياً وتوجيه ضربة إلى حملته الانتخابية وقاعدته الناخبة عبر الاجتهاد والتوسّع في استغلال دوافع استدعائه.بذلك، من غير أن تكون المحكمة الدولية طرفاً في الصراع الداخلي على الانتخابات، تجد نفسها شريكاً في مستنقعها وسبباً لتصعيد وتيرة المواجهة السياسية بين طرفي النزاع. الأمر الذي يرجّح تجميد مسار المحكمة طوال فترة انتخابات الربيع إلى الخريف المقبل ريثما يكون قد أعيد بناء السلطة اللبنانية الجديدة في ضوء الانتخابات، كي يكون في وسعها العمل بمعزل عن أي تأثير مباشر على مجرى الصراع السياسي في لبنان وتفادياً لتسييس المحكمة نفسها.3 ـــــ إخراج سوريا من دائرة التجاذب بين طرفي النزاع على أبواب انتخابات 2009 تجنباً لإدماج نفوذها في الصراع الناشب أو في مسار الانتخابات. وهو ما عبّرت عنه سلسلة خطوات إيجابية بدأت بتنسيق أمني معلن بين جهازي استخبارات البلدين، وأُكملت بإعلان التبادل الدبلوماسي، ثم قبل أيام موقفا رئيسي الجمهورية الحكومة من الاعتداء الأميركي على سوريا واستنكاره ليعيد إلى علاقات البلدين طابع التضامن وتنسيق السياسة الخارجية، ثم كانت أمس إحدى الإشارات الجديدة ذات الدلالة بالدعوة الرسمية التي تلقّاها وزير الداخلية زياد بارود لزيارة دمشق والاجتماع بنظيره السوري اللواء بسام عبدالمجيد، وتالياً بعث الروح في اللجنة المشتركة اللبنانية ـــــ السورية المتصلة بعلاقات أجهزة الأمن الداخلي والأمن العام بين البلدين، وهي لجنة موازية في التنسيق الأمني لتلك العسكرية بين الجيشين اللبناني والسوري. ويبدو أن الزيارة المرتقبة لبارود لدمشق في الأسبوعين المقبلين ستترافق مع تطور سيكون بدوره ذا دلالة، هو أن وفداً أمنياً رفيعاً من المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي والأمن العام سيرافق الوزير لإحياء التنسيق الأمني بين الأجهزة المماثلة اللبنانية والسورية.وخلافاً لبارود الذي يزور دمشق للمرة الأولى، ولم يكن طرفاً في النزاع معها، فإن صفحة جديدة ستفتح في علاقة قوى الأمن الداخلي بسوريا، بعدما شقّ هذا الجهاز طريقاً مستقلاً عن الجيش في الأعوام الثلاثة المنصرمة في علاقاته بدمشق، ووقف على طرف نقيض منها وشارك بفاعلية في التحقيقات في اغتيال الحريري، ووقف كذلك علناً إلى جانب تيار المستقبل وقوى 14 آذار في المواجهة وإطلاق اتهامات سياسة ضد سوريا وتحميلها مسؤولية الاغتيال.
سياسة
المحكمة على أبواب الانتخابات: تستمهل أم تستدعي شهوداً؟
نقولا ناصيفتبدو بعض التطورات البطيئة الخطى وكأنها تمهّد لانخراط الموالاة والمعارضة في انتخابات ربيع 2009، من غير أن تُظهرا استعجالهما فتح معركتها. إذ يعمد كل منهما إلى جمع أفضل الأوراق التي تمكّنه من خوضها وسط استقرار حكومي وسياسي وأمني طويل حتى أيار المقبل، عندما يصبح الطرفان وجهاً لوجه أمام تحالفاتهما ولوائحهما والدخول في عرض الشعارات والاتهامات والتشهير بالخيارات واجتذاب الناخبين للسيطرة على الغالبية الجديدة. في ذلك تتكشّف مبرّرات بعض تلك التطورات:1 ـــــ اجتماع الأحد الفائت بين رئيس تيار المستقبل، النائب سعد الحريري والأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصرالله. ورغم أن الحاجة إلى عقده، وهو الأول بينهما منذ أكثر من عامين، أكثر أهمية من النتائج المتوخاة منه لأن أياً منهما ليس في وارد تقديم تنازل للآخر قبل انتخابات 2009 ولا الدخول في تسوية جديدة تؤثر في نتائج انتخابات الربيع، ولا التخلي خصوصاً عن خياراته وحلفائه. ولأن الاحتقان السنّي ـــــ الشيعي أطفأه اتفاق الدوحة حتى الآن على الأقل بفعل تفاهم إقليمي اختبأ وراء هذا الاتفاق، فإن أي تطور في علاقة الزعيمين لا يعدو كونه تبريداً للتشنج الداخلي وتعزيزاً للاستقرار دون التخلي عن الأسباب الجوهرية للخلاف السياسي. بل في واقع الأمر للتناقض العميق بين خيارات قوى 14 آذار والمعارضة. هكذا جاء اللقاء ليكرّس مرجعية الحريري ونصر الله في ضبط مسار نزاع الكتلتين القويتين اللتين تقفان خلف كل منهما، وإبقاء التناحر في نطاق المؤسسات والاستحقاقات في آن واحد إلى أن يربح أحدهما الغالبية النيابية.2 ــــــ مع أن الاهتمام المباشر بالمحكمة الدولية يبدو منحسراً راهناً، إلا أنه سيصبح أكثر إلحاحاً بعد مطلع السنة الجديدة، وعندما يقترب موعد الانتخابات النيابية. ذلك أن رئيس لجنة التحقيق الدولية القاضي دانيال بلمار سيرفع تقريره الأخير إلى مجلس الأمن في 31 كانون الأول توطئة للانتقال إلى مرحلة عمل المحكمة الدولية، من غير أن يُظهر استعجاله لإنهاء مهمته محققاً دولياً في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري. يفتح باب التكهّن باكراً في مغزى تزامن عمل المحكمة وانطلاق الحملات الانتخابية. ومن دون أن يكون ثمّة رابط مباشر بينهما، فإن توظيف بدء مسار المحكمة في الانتخابات سيكون من باب لزوم ما لا يلزم نظراً إلى حاجة بعض الأفرقاء ـــــ ولا سيما بعض الموالاة ـــــ إلى دور للمحكمة فاعل في توجيه نتائج الانتخابات والسعي إلى الفوز القوي بها بجعل المحكمة إحدى أدوات المعركة الانتخابية. ويبدو هذا التبرير واقعياً عندما تجد المحكمة نفسها، لأسباب تتصل بآلية عملها لا بحسن نيّتها ولا بسوء نيّتها، ولا حتماً بما يجري في لبنان ولا بما يتصل بالصراع على الانتخابات النيابية ـــــ تطلب الاستماع إلى إفادات شهود لبنانيين معارضين حلفاء لسوريا. حتى لو لم يذهب أي من هؤلاء إلى مقرّها، فإن تداول اسمه كشاهد دُعي إلى المحكمة كاف للتشهير به واتهامه سياسياً وتوجيه ضربة إلى حملته الانتخابية وقاعدته الناخبة عبر الاجتهاد والتوسّع في استغلال دوافع استدعائه.بذلك، من غير أن تكون المحكمة الدولية طرفاً في الصراع الداخلي على الانتخابات، تجد نفسها شريكاً في مستنقعها وسبباً لتصعيد وتيرة المواجهة السياسية بين طرفي النزاع. الأمر الذي يرجّح تجميد مسار المحكمة طوال فترة انتخابات الربيع إلى الخريف المقبل ريثما يكون قد أعيد بناء السلطة اللبنانية الجديدة في ضوء الانتخابات، كي يكون في وسعها العمل بمعزل عن أي تأثير مباشر على مجرى الصراع السياسي في لبنان وتفادياً لتسييس المحكمة نفسها.3 ـــــ إخراج سوريا من دائرة التجاذب بين طرفي النزاع على أبواب انتخابات 2009 تجنباً لإدماج نفوذها في الصراع الناشب أو في مسار الانتخابات. وهو ما عبّرت عنه سلسلة خطوات إيجابية بدأت بتنسيق أمني معلن بين جهازي استخبارات البلدين، وأُكملت بإعلان التبادل الدبلوماسي، ثم قبل أيام موقفا رئيسي الجمهورية الحكومة من الاعتداء الأميركي على سوريا واستنكاره ليعيد إلى علاقات البلدين طابع التضامن وتنسيق السياسة الخارجية، ثم كانت أمس إحدى الإشارات الجديدة ذات الدلالة بالدعوة الرسمية التي تلقّاها وزير الداخلية زياد بارود لزيارة دمشق والاجتماع بنظيره السوري اللواء بسام عبدالمجيد، وتالياً بعث الروح في اللجنة المشتركة اللبنانية ـــــ السورية المتصلة بعلاقات أجهزة الأمن الداخلي والأمن العام بين البلدين، وهي لجنة موازية في التنسيق الأمني لتلك العسكرية بين الجيشين اللبناني والسوري. ويبدو أن الزيارة المرتقبة لبارود لدمشق في الأسبوعين المقبلين ستترافق مع تطور سيكون بدوره ذا دلالة، هو أن وفداً أمنياً رفيعاً من المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي والأمن العام سيرافق الوزير لإحياء التنسيق الأمني بين الأجهزة المماثلة اللبنانية والسورية.وخلافاً لبارود الذي يزور دمشق للمرة الأولى، ولم يكن طرفاً في النزاع معها، فإن صفحة جديدة ستفتح في علاقة قوى الأمن الداخلي بسوريا، بعدما شقّ هذا الجهاز طريقاً مستقلاً عن الجيش في الأعوام الثلاثة المنصرمة في علاقاته بدمشق، ووقف على طرف نقيض منها وشارك بفاعلية في التحقيقات في اغتيال الحريري، ووقف كذلك علناً إلى جانب تيار المستقبل وقوى 14 آذار في المواجهة وإطلاق اتهامات سياسة ضد سوريا وتحميلها مسؤولية الاغتيال.
No comments:
Post a Comment