البت بالقضية بعد القرار الظني في آذار نقل الضباط الأربعة إلى لاهاي:كلام النجار نهاراً ... يمحوه الليل
علي الموسوي
أثار الكلام المنقول عن وزير العدل إبراهيم نجّار والمتعلّق بنقل الضبّاط الأربعة الموقوفين بجريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري إلى مقرّ المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في لاهاي في هولندا، بلبلة سياسية وإعلامية، استدعت التوضيح من نجّار نفسه، عبر نفيه هذا الكلام جملة وتفصيلاً، وأكّد، بالمقابل، أنّ المحكمة »لم تبدأ وأنّ أصولها لم توضع بعد لكي تنطلق« بين شهري شباط وآذار ٢٠٠٩ كما تهيأ للبعض. ونفى نجّار الموجود في باريس في اتصال مع »السفير«، ما وزعّته إحدى المجلات قبيل صدورها من مقتطفات عن مقابلة أجرتها معه وتنشرها اليوم، وقال »أستغرب هذا الكلام المنشور حول موضوع المحكمة الدولية والضبّاط الأربعة، كما أنّني أستغرب ما نقل عني، وهذا اختزال للكلام الذي تحدّثت فيه، فأنا لم أقل أيّ شيء عن المحكمة الدولية، لأنّ المحكمة لم تشكّل بعد وحتى الآن لم تبدأ المحكمة، وأن أصول المحكمة لم توضع بعد«، وأكد أنّ القضاة غير معروفين، »وهذا الموضوع بيد القضاء«. وأكّد نجّار أنّه لم يقل إنّ الضبّاط الأربعة سينقلون إلى الخارج كونه غير مطلع على تفاصيل التحقيق، معتبراً أنّ موضوع نقل الضبّاط إلى لاهاي أو غيرها »هو من صلاحية القضاء اللبناني الذي له وحده الكلمة الفصل في هذا الموضوع«! وأكّدت مصادر دولية لـ»السفير« أنّ »لا أحد يعرف متى تبدأ المحكمة الدولية عملها باستثناء الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، وذلك بعد تأمين مصاريفها المالية ليس لسنة واحدة بل لثلاث سنوات، وحصول اطمئنان لديه بالإيفاء بهذه الالتزامات في السنتين الثانية والثالثة لتغطية عمل المحكمة، فضلاً عن وجود المحكمة، واختيار القضاة ووضعهم قواعد الإثبات والإجراءات الخاصة بها، وتحديد مكان آمن لأيّ متّهم لكي يوضع فيه خلال مجريات المحاكمة«. وقالت المصادر الدولية إنّه يستحيل حصول كلّ هذه الأمور في مطلع العام ،٢٠٠٩ كما يتردّد، مشدّدة على أنّ مسألة التشاور مع الحكومة اللبنانية بموضوع بدء المحكمة عملها، لا تعني على الإطلاق أنّه بإمكان هذه الحكومة أن تحدّد موعد انطلاق المحكمة أو وضع »فيتو« على ما يقوله بان كي مون، فالكلمة الأولى والأخيرة تعود للأمين العام حصرياً لا لأيّ أحد آخر. بدوره، أوضح نجّار أنّ »المحاكمة ستكون وفق أصول المحاكمات التي ستوضع، فمن السابق لأوانه تحديد موعد بدء المحاكمة نظراً لكون هذا الموضوع يتصل أساساً بأصول المحاكمات لدى المحكمة الدولية، وهذه الأصول لم يتمّ الانتهاء من وضعها حتى اليوم، لأن ذلك هو من صلاحية القضاة المعينين ومسؤوليتهم، وبالتالي إذا كان من المرجح أن تبدأ المحكمة عام ،٢٠٠٩ فإنه يستحيل من اليوم التكهن بما إذا كانت المحاكمات ستبدأ في مطلع ٢٠٠٩ أم لا، وإلا فإننا نكون في وارد استباق الأمور التي لا يعرفها حتّى القضاة أنفسهم«. وقال مرجع لبناني معني بملف الضباط الأربعة لـ»السفير« إنه لا إفراج ولا نقل للضباط الأربعة إلى لاهاي ولن يبت أمرهم إلا بعد صدور القرار الظني في القضية، وذلك بعد ثلاثة أشهر من صدور تقرير القاضي دانيال بيلمار في كانون الأول المقبل. ورداً على سؤال قال المرجع نفسه إنه لن يكون هناك إفراج عن ضابط واحد من الضباط الأربعة لأن هذه القضية مترابطة. ويتضحّ من مواد المحكمة ونظام إنشائها أنّها لن تبدأ عملها إلاّ بعد مرور شهرين على تسلّم المدعي العام مهامه رسمياً، وما دام رئيس لجنة التحقيق الدولية ـ وهو نفسه سيكون المدعي العام (القاضي الكندي بيلمار) ـ لم يجزم بموعد معيّن لانتهاء عمله كرئيس للجنة، ولم يصدر أيّ كلام عنه يضع فيه تاريخاً واضحاً لانتهاء دور لجنة التحقيق، فإنّه يصعب على أحد آخر تحديد هذا الأمر المرتبط بالوصول إلى معلومات حاسمة وأدلّة دامغة عن الجناة، ومعطيات وافرة ونتائج متمكّنة ومتينة يمكنها أن تدفع المحكمة للسير قدماً نحو الوصول الى الحقيقة. وهذا ما تقوله الفقرة الثانية من المادة الرابعة من نظام المحكمة حيث ورد فيها ما يأتي: »في موعد يحدّده الأمين العام، على ألاّ يتجاوز شهرين بعد تسلّم المدعي العام مهامه، تطلب المحكمة الخاصة من السلطة القضائية الوطنية المعروضة عليها قضية الهجوم على رئيس الوزراء رفيق الحريري وآخرين، أن تتنازل عن اختصاصها، وتحيل السلطة القضائية اللبنانية إلى المحكمة الخاصة نتائج التحقيق ونسخة من سجلات المحكمة إن وُجدت، ويُنقل الأشخاص المحتجزون رهن التحقيق إلى عُهدة المحكمة«. وبتفسير أدقّ، فإنّ موعد بدء المحكمة عملها رهن إشارة بان كي مون، وهو مرتبط بشكل نهائي بإعلان بيلمار عن نيّته الانتقال من مرحلة لجنة التحقيق إلى مرحلة المدعي العام، ويتسلّم من القضاء اللبناني كلّ الملفات والأوراق الموجودة بحوزته، ويترافق ذلك مع نقل الأشخاص المحتجزين قيد التحقيق إلى المحكمة في لاهاي. كما أنّ المحكمة تحتاج إلى بعض الوقت لدرس ما يتدفّق عليها من أدلّة جمعت منذ وقوع الجريمة، بحسب المادة ١٩ من نظامها، وتحديد مطابقتها للمعايير الدولية المرتبطة بجمع الأدلة، ووحدها المحكمة من يقرّر مصير هذه الأدلّة وأهميتها في مسار القضية، فتبقي على ما ينفعها وترمي الغثّ جانباً. وتقول المادة ١٩ إن المحكمة تتلقى الأدلة التي جُمعت في ما يتصل بقضايا خاضعة لنظر المحكمة الخاصة، »قبل إنشاء المحكمة، وجمعتها السلطات الوطنية في لبنان أو لجنة التحقيق الدولية المستقلة وفقاً لولايتها المحدّدة في قرار مجلس الأمن ،١٥٩٥ وتقرر دوائر المحكمة مقبولية هذه الأدلة عملاً بالمعايير الدولية المتعلقة بجمع الأدلة. ويعود لدوائر المحكمة تقييم أهمية هذه الأدلة«. وعلمت »السفير« من مصادر متابعة لهذا الملفّ أنّ الأمم المتحدة اختارت القضاة اللبنانيين الأربعة من ضمن قائمة مؤلّفة من اثني عشر قاضياً لبنانياً سماهم مجلس القضاء الأعلى، وذلك بعدما خضعوا لاختبار في سويسرا، وهم ثلاثة قضاة عاملون وواحد متقاعد، (لن تنشر »السفير« أسماءهم حفاظاً عليهم). يذكر أنّه سبق للجنة التحقيق الدولية منذ عهد رئيسها الثاني القاضي البلجيكي سيرج برامرتز أن زوّدت القضاء اللبناني بكلّ الملفات والوثائق والمعطيات المتعلّقة بالضبّاط الأربعة لكي يتخذ ما يراه مناسباً بشأن الإفراج عنهم، رافضة إصدار أيّة توصية تلزم القضاء بتأكيد الإفراج ليقينها أنّ توصية التوقيف التي أصدرها الرئيس الأول للجنة التحقيق القاضي الألماني ديتليف ميليس غير قانونية، وبالتالي لا يمكن تصحيح هذه المخالفة بمخالفة مماثلة تسيء إلى سمعة الأمم المتحدة على الصعيد القانوني.
No comments:
Post a Comment