«الثلّة» في سجن الأحداث.. أما «الفرقة» فماضية في فتلاتها الصوفية!
حبّ الضباط الأربعة.. ثقافة من نوع خاص
المستقبل - الجمعة 7 تشرين الثاني 2008 - العدد 3129 -
وسام سعادة
لم يسبق أن احتشد في لبنان ذاك الكمّ الهادر من النّاس، كما في عاميّة 14 آذار 2005، مشهّرين بصور أربعة من الجنرالات.. بل خمسة، ومطالبين بتنحية الثلّة ومحاكمتها وفرط شبكة «النظام الأمنيّ» التي أقامتها على مدى الأعوام بتكليف من «مؤسّسة» الوصاية السوريّة.الغضب الجماهيري يومها جاء وقعه مدوّياً: تقصّي حقائق ثم لجنة تحقيق. وصاية يفرض عليها الجلاء إلى ما بعد الحدود بعد أن كانت تمنّي النفس علناً بإعادة إنتشار نحو «منطقة الحدود». أما الجنرالات فصار الشاطر بينهم من يفاوض على حرّيته محاولاً تفادي مصير زملائه، استشعاراً منه أن واجبهم القوميّ يقضي بإفتدائهم له، فيما دوره التاريخيّ يتقوّم في إعداد العدّة لتحريرهم لاحقاً. و«الأينشتاين» يومها من بين الأربعة، عفواً الخمسة، هو من كان بإستطاعته أن يبقي على نفسه حرّة طليقة ويدع زملاءه يودعون في سجن الأحداث. لم تكن المرحلة ذهبية وسانحة للـ«تضامن» بين أركان الثلّة أو للتضامن الهجوميّ معهم. لم يكن الخطّ التضامنيّ الكفاحيّ الثوريّ مع «الضبّاط الأربعة» قد أعاد تأهيل نفسه. و«المتحفّظون» يومها على إحتجاز حرّية الأربعة كانت تعوزهم المخيّلة كي يجاهروا بحبهم للـ«الأربعة». ما كانوا قد نسّقوا هتافاتهم بعد: الضبّاط الأربعة أحباء العمّال والفلاحين وصغار الكسبة! الضباط الأربعة أعمدة لعولمة بديلة! الضبّاط الأربعة أعداء للطائفية وسباع للوطنيّة! الضبّاط الأربعة بناة المؤسسات وحماة الأجهزة! الضبّاط الأربعة فرسان القوميّة العربيّة والإشتراكية ذات الوجه الإنسانيّ! الضبّاط الأربعة بشر قُدّوا من نسيج خاص وينبغي للمريد أن يقطع أشواط وأشواط قبل أن يقف على عظم شأنهم ورجاحة تفكيرهم. عندما أعتقل «الأربعة» ظهر أن «الأينشتاين» بينهم كان خامسهم. لم ينجح في حصر الإعتقال بالأبعد عنه في هذه الثلّة، لكنه تمالك أعصابه عندما شملت الإعتقالات من هو الأقرب إليه. كان هذا «الخامس» بحاجة إلى أسبوعين فقط كي يعلن أنّه وفيّ هو الآخر لروحية 14 آذار، وأن التمديد له في منصبه بات ضرورياً لمتابعة إستكمال أهداف ثورة الأرز التي قامت أصلاً لتقليص المدّة الزمنية والكلفة المادية والمعنوية لهكذا تمديد. الضابط الخامس استفاد من الحصانة التمديدية ثم من الظروف التي حكمت بإختزال ميزان القوى السياسيّ إلى ميزان القوى الأمنيّ فحسب. أما الضبّاط الأربعة الذي كان لهم إسهام خاص في إتاحة التمديد لخامسهم فلم يتمكّنوا بالمقابل أن يقصّروا محنة إعتقالهم، وكذلك «المعادلة الأمنية» التي حكمت البلاد بعد حرب تموّز تمكّنت من إحاطتهم بهالة من المظلومية، لكنها كانت تحتاج إلى منحهم مثل هذه الهالة أكثر مما تحتاج إلى منحهم الحرّية. بيد أنّّ «مظلوميّة الضبّاط الأربعة» تمخّض عنها مسلك «صوفيّ» يطوّر مكاشفاته ومشاهداته حبّاً وولعاً، وصار لهذا المسلك «لسان حاله» وأدبيّاته، أضف لما يصله من أدبيات «الأربعة» لا سيّما أكثرهم غزارة الذي يعلّق على كل شاردة وواردة، بحيث يعطي شرعية لسؤال: وما الفرق عندها بين أن تقبع في غياهب السّجن محضّراً مرافعتك مع محاميك وبين أن تكون حرّاً طليقاً لك حرّية الجيئة والذهاب والقول والفعل؟في 14 آذار 2005 رفع الشعب اللبناني صور رئيسه الشهيد رفيق الحريري وفاء وعهداً بإجلاء الحقيقة ورفع صور الضبّاط الأربعة، عفواً الخمسة، إبتغاء لفرط النظام الأمني وفرض الجلاء وقيام المحكمة الدوليّة. حتى الآن لم يتحرّك أحد لرفع صور الضبّاط الأربعة، ناهيك عن خامسهم دفاعاً عنهم أو نصرة، لكن فرقة «أحبّاء الأربعة» بلغت من التصوّف طور الفناء والكشف: صار الواحد من هؤلاء الأحبّاء يرى الأربعة شموعاً تتراقص له في منامه، ودروباً تفتح له آفاقه. تناجي الفرقة ضبّاطها الأربعة.. هم حقّقوا أمناً تقول.. تفلّتوا من القيد الطائفي، تالله ما أروعهم.. لم يسمحوا بتسلّل الكتب التي تضعف «الشعور القوميّ» إلى لبنان.. هم أمثلة تحتذى لتنمية الشعور القوميّ.. هم النقيض النقيض لميشال كيلو وفايز سارة وكل المتهّمين في شعورهم القوميّ.. هم الأربعة الذين حرّكوا النقابات العمّالية.. أحد الأربعة الآن جالس في سجنه يقرأ كرّاساً لروزا لوكسمبورغ، والثاني لا همّ له سوى تحرير عكّا، والثالث يقارن نفسه بالسجين الأميركي الشهير موميا أبو جمال الذي تتظلّم له كل حركات مناهضة العولمة، أما الرابع فينتظر من باراك أوباما تحريره وإستقباله في البيت الأبيض كضابط «من أجل الحرّية».تناجي الفرقة ضبّاطها الأربعة، ويناجي الضبّاط الأربعة الفرقة.. والبعض لا يكتفي بالمناجاة إنما يحاكي خصال الأربعة ويقتبس مأثورهم الواقعي أو المتخيّل ويتلقف ما يرد منهم من وراء القبضان. والفرقة المناجية للضبّاط الأربعة تضبط كل مواقفها تبعاً لمبدأ «وحدة العشق والعاشق والمعشوق» في الصوفية. سواء كان الحدث محلياًَ أو عربياً أو دولياً تقوم هذه الفرقة بقياسه على الضبّاط الأربعة وقضيتهم.. يتساءلون مثلاً هل يؤدي انفجار الوضع في القوقاز إلى إطلاقهم أم لا.. وكذا الأزمة الإقتصادية العالمية هل تجفف تمويل المحكمة فيحلّ الضبّاط الأربعة ضيوفاً عند خامسهم.. وأوباما الذي هو من أصل كينيّ هل يؤدي وصوله إلى «تحريرهم» بإعتبارهم اعتقلوا أيام حكم «حزب بوش».فرقة الفتلات الصوفية المهووسة بالضبّاط الأربعة تنتج ثقافة ضد الثقافة، ونعلاً على نعل تتكدّس. تمطر إعلاماً ضد الإعلام. لا يهمّها في إثبات براءة الأربعة.. يهمّها إثبات أحقية الأربعة في كل ما قاموا به.. بل صارت هذه الفرقة تحرّض على تكرار صنائع الأربعة حتى ولو كان من دون هؤلاء الأربعة.
حبّ الضباط الأربعة.. ثقافة من نوع خاص
المستقبل - الجمعة 7 تشرين الثاني 2008 - العدد 3129 -
وسام سعادة
لم يسبق أن احتشد في لبنان ذاك الكمّ الهادر من النّاس، كما في عاميّة 14 آذار 2005، مشهّرين بصور أربعة من الجنرالات.. بل خمسة، ومطالبين بتنحية الثلّة ومحاكمتها وفرط شبكة «النظام الأمنيّ» التي أقامتها على مدى الأعوام بتكليف من «مؤسّسة» الوصاية السوريّة.الغضب الجماهيري يومها جاء وقعه مدوّياً: تقصّي حقائق ثم لجنة تحقيق. وصاية يفرض عليها الجلاء إلى ما بعد الحدود بعد أن كانت تمنّي النفس علناً بإعادة إنتشار نحو «منطقة الحدود». أما الجنرالات فصار الشاطر بينهم من يفاوض على حرّيته محاولاً تفادي مصير زملائه، استشعاراً منه أن واجبهم القوميّ يقضي بإفتدائهم له، فيما دوره التاريخيّ يتقوّم في إعداد العدّة لتحريرهم لاحقاً. و«الأينشتاين» يومها من بين الأربعة، عفواً الخمسة، هو من كان بإستطاعته أن يبقي على نفسه حرّة طليقة ويدع زملاءه يودعون في سجن الأحداث. لم تكن المرحلة ذهبية وسانحة للـ«تضامن» بين أركان الثلّة أو للتضامن الهجوميّ معهم. لم يكن الخطّ التضامنيّ الكفاحيّ الثوريّ مع «الضبّاط الأربعة» قد أعاد تأهيل نفسه. و«المتحفّظون» يومها على إحتجاز حرّية الأربعة كانت تعوزهم المخيّلة كي يجاهروا بحبهم للـ«الأربعة». ما كانوا قد نسّقوا هتافاتهم بعد: الضبّاط الأربعة أحباء العمّال والفلاحين وصغار الكسبة! الضباط الأربعة أعمدة لعولمة بديلة! الضبّاط الأربعة أعداء للطائفية وسباع للوطنيّة! الضبّاط الأربعة بناة المؤسسات وحماة الأجهزة! الضبّاط الأربعة فرسان القوميّة العربيّة والإشتراكية ذات الوجه الإنسانيّ! الضبّاط الأربعة بشر قُدّوا من نسيج خاص وينبغي للمريد أن يقطع أشواط وأشواط قبل أن يقف على عظم شأنهم ورجاحة تفكيرهم. عندما أعتقل «الأربعة» ظهر أن «الأينشتاين» بينهم كان خامسهم. لم ينجح في حصر الإعتقال بالأبعد عنه في هذه الثلّة، لكنه تمالك أعصابه عندما شملت الإعتقالات من هو الأقرب إليه. كان هذا «الخامس» بحاجة إلى أسبوعين فقط كي يعلن أنّه وفيّ هو الآخر لروحية 14 آذار، وأن التمديد له في منصبه بات ضرورياً لمتابعة إستكمال أهداف ثورة الأرز التي قامت أصلاً لتقليص المدّة الزمنية والكلفة المادية والمعنوية لهكذا تمديد. الضابط الخامس استفاد من الحصانة التمديدية ثم من الظروف التي حكمت بإختزال ميزان القوى السياسيّ إلى ميزان القوى الأمنيّ فحسب. أما الضبّاط الأربعة الذي كان لهم إسهام خاص في إتاحة التمديد لخامسهم فلم يتمكّنوا بالمقابل أن يقصّروا محنة إعتقالهم، وكذلك «المعادلة الأمنية» التي حكمت البلاد بعد حرب تموّز تمكّنت من إحاطتهم بهالة من المظلومية، لكنها كانت تحتاج إلى منحهم مثل هذه الهالة أكثر مما تحتاج إلى منحهم الحرّية. بيد أنّّ «مظلوميّة الضبّاط الأربعة» تمخّض عنها مسلك «صوفيّ» يطوّر مكاشفاته ومشاهداته حبّاً وولعاً، وصار لهذا المسلك «لسان حاله» وأدبيّاته، أضف لما يصله من أدبيات «الأربعة» لا سيّما أكثرهم غزارة الذي يعلّق على كل شاردة وواردة، بحيث يعطي شرعية لسؤال: وما الفرق عندها بين أن تقبع في غياهب السّجن محضّراً مرافعتك مع محاميك وبين أن تكون حرّاً طليقاً لك حرّية الجيئة والذهاب والقول والفعل؟في 14 آذار 2005 رفع الشعب اللبناني صور رئيسه الشهيد رفيق الحريري وفاء وعهداً بإجلاء الحقيقة ورفع صور الضبّاط الأربعة، عفواً الخمسة، إبتغاء لفرط النظام الأمني وفرض الجلاء وقيام المحكمة الدوليّة. حتى الآن لم يتحرّك أحد لرفع صور الضبّاط الأربعة، ناهيك عن خامسهم دفاعاً عنهم أو نصرة، لكن فرقة «أحبّاء الأربعة» بلغت من التصوّف طور الفناء والكشف: صار الواحد من هؤلاء الأحبّاء يرى الأربعة شموعاً تتراقص له في منامه، ودروباً تفتح له آفاقه. تناجي الفرقة ضبّاطها الأربعة.. هم حقّقوا أمناً تقول.. تفلّتوا من القيد الطائفي، تالله ما أروعهم.. لم يسمحوا بتسلّل الكتب التي تضعف «الشعور القوميّ» إلى لبنان.. هم أمثلة تحتذى لتنمية الشعور القوميّ.. هم النقيض النقيض لميشال كيلو وفايز سارة وكل المتهّمين في شعورهم القوميّ.. هم الأربعة الذين حرّكوا النقابات العمّالية.. أحد الأربعة الآن جالس في سجنه يقرأ كرّاساً لروزا لوكسمبورغ، والثاني لا همّ له سوى تحرير عكّا، والثالث يقارن نفسه بالسجين الأميركي الشهير موميا أبو جمال الذي تتظلّم له كل حركات مناهضة العولمة، أما الرابع فينتظر من باراك أوباما تحريره وإستقباله في البيت الأبيض كضابط «من أجل الحرّية».تناجي الفرقة ضبّاطها الأربعة، ويناجي الضبّاط الأربعة الفرقة.. والبعض لا يكتفي بالمناجاة إنما يحاكي خصال الأربعة ويقتبس مأثورهم الواقعي أو المتخيّل ويتلقف ما يرد منهم من وراء القبضان. والفرقة المناجية للضبّاط الأربعة تضبط كل مواقفها تبعاً لمبدأ «وحدة العشق والعاشق والمعشوق» في الصوفية. سواء كان الحدث محلياًَ أو عربياً أو دولياً تقوم هذه الفرقة بقياسه على الضبّاط الأربعة وقضيتهم.. يتساءلون مثلاً هل يؤدي انفجار الوضع في القوقاز إلى إطلاقهم أم لا.. وكذا الأزمة الإقتصادية العالمية هل تجفف تمويل المحكمة فيحلّ الضبّاط الأربعة ضيوفاً عند خامسهم.. وأوباما الذي هو من أصل كينيّ هل يؤدي وصوله إلى «تحريرهم» بإعتبارهم اعتقلوا أيام حكم «حزب بوش».فرقة الفتلات الصوفية المهووسة بالضبّاط الأربعة تنتج ثقافة ضد الثقافة، ونعلاً على نعل تتكدّس. تمطر إعلاماً ضد الإعلام. لا يهمّها في إثبات براءة الأربعة.. يهمّها إثبات أحقية الأربعة في كل ما قاموا به.. بل صارت هذه الفرقة تحرّض على تكرار صنائع الأربعة حتى ولو كان من دون هؤلاء الأربعة.
No comments:
Post a Comment