قراءة قانونية في ادعاء "مظلومية" الضباط الأربعة
المستقبل - الثلاثاء 15 تموز 2008 - العدد 3018 - مخافر و محاكم - صفحة 10
عمر حرقوص
بقيت تطورات التحقيق في قضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري موضع تقييم رجال القانون وأهل الاختصاص، خصوصاً وأن هذه التطورات أو المستجدات أتت بعد حملات سياسية وإعلامية وشعبية نظمها ذوو الضباط الأربعة الموقوفين كمتهمين في الجريمة اللواء جميل السيد، اللواء علي الحاج، العميد مصطفى حمدان والعميد ريمون عازار بدعم سياسي وتشجيع من قوى سياسية وحزبية نافذة صاحبة المصلحة الأولى في إطلاق سراح هؤلاء الضباط وبأسرع وقت ممكن.وإذا كان من الصعب الرد على الحملات المنظمة لوكلاء الضباط والجهات التي تدعمهم علناً، باعتبار أن هذه الحملات بدأت منذ ثلاث سنوات تقريباً وهي مستمرة حتى الآن على المنابر والشاشات وفي الصحف، فإن مصادر قانونية متابعة توقفت ملياً أمام هذه التحركات المتلاحقة بوتيرة تصاعدية بلغت في مراحلها الأخيرة حدود التهديد بالويل والثبور وعظائم الأمور، ليس لمن يمانع الإفراج عنهم، بل حتى كل معترض رافض لهذه الفكرة أن إنجاز التحقيق وإصدار القرار الاتهامي، أو على الأقل صدور التقرير النهائي لرئيس لجنة التحقيق الدولية القاضي دانيال بلمار الذي سيقدمه كمضبطة اتهام للمحكمة الدولية فور الشروع بعملها.المصادر القانونية استغربت كل ما تتضمنه عشرات البيانات المكتوبة التي تصدر باسم الضباط الأربعة ومن مكاتبهم الإعلامية (وسألت هل سمعتم في أرقى دول العالم حتى السويد أن موقوفاً بجريمة مزلزلة له مكتب إعلامي يعلق على كل شاردة وواردة؟). وأكدت أن أهم ما استوقفها هو إجماع هؤلاء على التظلم وانتحال صفة "المعتقلين السياسيين" المنتهكة حقوقهم، وهم الذين لم يتركوا حقاً إلا وانتهكوه إبان حكمهم لبنان بقبضة أسيادهم السوريين الذين نصبوهم على رأس الأجهزة الأمنية ليس لحماية الأملاك والسلم الأهلي، بل ليحصوا أنفاس اللبنانيين خصوصاً الذين كانوا يخالفون رأي مرجعية الوصاية، والاعتقالات الجماعية للطلاب داخل الجامعات وأمام قصر العدل في بيروت والملاحقات الكيدية بإخبارات "المواطن الصالح" خير شاهد على تلك الحقبة السوداء التي ما زالت رواسبها مستمرة حتى اليوم.وبرأي المصادر القانونية فإن "المظلومية" التي يدعيها الضباط الأربعة ليس مبالغ فيها فحسب، بل تصل الى حد الاستخفاف بعقول اللبنانيين، وقال "إذا كان هؤلاء يدعون أن توقيفهم مستند الى إفادة الشاهد السوري محمد زهير الصديق "الكاذبة" وغير المستندة الى أدلة حسية، وإلى إفادة الشاهد السوري هسام هسام الذي عاد وتراجع عن اعترافاته (ومعلوم كيف جري تهريبه، وتحت قبضة من هو الآن) فإن ثمة حقائق مرتبطة بدور كل واحد من هؤلاء الضباط. وهذه الحقائق لا يمكن تجاهلها أو إهمالها أو التنكر لها وهي تتلخص بما يلي:أولاً: بالنسبة الى اللواء جميل السيد فإنه لا يمكن التغاضي عن جملة وقائع كان بطلها قبل عملية الاغتيال وتتمثل بتعقب موكب الرئيس الشهيد خلال تناقلاته في بيروت من خلال دوريات للأمن العام، والتنصت على كل مكالماته الهاتفية، وضخ معلومات كاذبة ومفبركة ضده ونشرها في صحف ووسائل إعلام محلية وعربية ودولية عبر صحافيين محسوبين عليه كان يقابلهم السيد يومياً في مكتبه لتزويدهم بها، فضلاً عن تقارير كان يعدها شخصياً ويقدمها للقيادة السورية يصوّر فيها الرئيس الشهيد كمتآمر على سوريا والمصالح القومية والعربية، إضافة الى ما قيل عن دور له في تسلم شريط الفلسطيني احمد ابو عدس وإرساله بطريقة ملتبسة الى محطة "الجزيرة"، بعد أقل من ساعتين على وقوع الجريمة، إضافة الى دوره في اختراع قصة الحجاج الستة من بلدة المنية وتركيب رواية مختلقة عن أنهم نفذوا الجريمة وسافروا فوراً الى اوستراليا لإلصاقها بهم وإبعاد الشبهات عن المجرمين الحقيقيين، غير أن التحقيقات التي أجراها القضاء الأوسترالي مع هؤلاء أثبتت زيف هذه الادعاءات. وعززت الشبهات على مخترعي هذه الأضاليل.ثانياً: بالنسبة الى اللواء علي الحاج فإن تاريخه لم يكن ناصعاً، إذ أن السوريين ومن خلاله فقط استطاعوا اختراق أمن الرئيس الحريري عندما كان الحاج هو المؤتمن على أمنه وحياته، ومسألة جاسوسيته لم تعد سرية إذ كان عين وأذن المخابرات السورية في دائرة الرئيس الحريري، ويبلغهم بكل لقاء أو اتصال أو محادثة يجريها مع أي شخصية لبنانية أو عربية أو دولية... لكن وبعد طيّ هذه الصفحة.. فإن اللواء علي الحاج وما أن تسلّم مهامه كمدير عام لقوى الأمن الداخلي سارع الى خفض عدد عناصر الحماية والمواكبة للرئيس الحريري من أربعين عنصراً الى ثمانية رغم علمه المسبق بالمخاطر التي كانت تحيط به والتهديدات التي كان يتلقاها من قصر المهاجرين في دمشق ومن حاكم عنجر.. كما كان للواء الحاج دوره في إخفاء الأدلة والعبث بمسرح الجريمة وإصراره على نقل سيارات الموكب المدمّرة من المكان قبل الكشف عليها وتصويرها ومعرفة وضعيتها لأن ذلك يساعد التحقيق بحجة أنه تلقى أوامر بهذا الخصوص من القصر الجمهوري وتحديداً من قائد لواء الحرس الجمهوري العميد مصطفى حمدان علماً أن الأخير أقل منه رتبة ويمكنه أن لا ينفّذ أوامره.ثالثاً: أما العميد مصطفى حمدان فلم يكن أقل كيداً ومكراً، فعداؤه للرئيس الحريري قديم وبعمر عداء الرئيس إميل لحود له.. وهو لم يدع مناسبة إلاّ وعبّر فيها عن حقده عليه، ولعلّ دوره في إصدار الأوامر الملحة للواء علي الحاج ولفرق الأشغال بطمر الحفرة التي خلّفها الانفجار بعد ساعات قليلة على وقوعه. وقبل الانتهاء من رفع جثث الضحايا والأشلاء والإصرار على معاودة فتح الطريق أمام السيارات ما هو إلا دليل كافٍ على القول إن ثمة "علاقة محتملة" له في الجريمة، أقلّه من منطلق الريبة والشك.رابعاً: أما عن العميد ريمون عازار وإن لم يكن دوره بمستوى الآخرين فإن ثمة معطيات عن مهام كانت منوطة به، ومنها جمع المعلومات الاستخبارية عن أنشطة الرئيس الحريري السياسية وإعداد التقارير ورصد مكالماته والتنصّت عليها وتكليف سيارات لتعقب موكبه ومراقبة تحركاته.أمام كل هذه الوقائع والمعطيات الثابتة التي يعترف بها الضباط المذكورين فإن الإصرار على معزوفة "مظلومية توقيفهم" من دون أي دليل كما يدعون ما هي إلاّ محاولات لتضليل بعض اللبنانيين إلاّ أنها وإن انطلت على القلة من ضعاف النفوس، غير أنها لا تمرّ على عامة المواطنين، لا سيما المؤمنين بالحقيقة والمراهنين عليها وفي طليعتهم رجال القانون بعدما أصبحت الحقيقة وحدها قضيتهم.
المستقبل - الثلاثاء 15 تموز 2008 - العدد 3018 - مخافر و محاكم - صفحة 10
عمر حرقوص
بقيت تطورات التحقيق في قضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري موضع تقييم رجال القانون وأهل الاختصاص، خصوصاً وأن هذه التطورات أو المستجدات أتت بعد حملات سياسية وإعلامية وشعبية نظمها ذوو الضباط الأربعة الموقوفين كمتهمين في الجريمة اللواء جميل السيد، اللواء علي الحاج، العميد مصطفى حمدان والعميد ريمون عازار بدعم سياسي وتشجيع من قوى سياسية وحزبية نافذة صاحبة المصلحة الأولى في إطلاق سراح هؤلاء الضباط وبأسرع وقت ممكن.وإذا كان من الصعب الرد على الحملات المنظمة لوكلاء الضباط والجهات التي تدعمهم علناً، باعتبار أن هذه الحملات بدأت منذ ثلاث سنوات تقريباً وهي مستمرة حتى الآن على المنابر والشاشات وفي الصحف، فإن مصادر قانونية متابعة توقفت ملياً أمام هذه التحركات المتلاحقة بوتيرة تصاعدية بلغت في مراحلها الأخيرة حدود التهديد بالويل والثبور وعظائم الأمور، ليس لمن يمانع الإفراج عنهم، بل حتى كل معترض رافض لهذه الفكرة أن إنجاز التحقيق وإصدار القرار الاتهامي، أو على الأقل صدور التقرير النهائي لرئيس لجنة التحقيق الدولية القاضي دانيال بلمار الذي سيقدمه كمضبطة اتهام للمحكمة الدولية فور الشروع بعملها.المصادر القانونية استغربت كل ما تتضمنه عشرات البيانات المكتوبة التي تصدر باسم الضباط الأربعة ومن مكاتبهم الإعلامية (وسألت هل سمعتم في أرقى دول العالم حتى السويد أن موقوفاً بجريمة مزلزلة له مكتب إعلامي يعلق على كل شاردة وواردة؟). وأكدت أن أهم ما استوقفها هو إجماع هؤلاء على التظلم وانتحال صفة "المعتقلين السياسيين" المنتهكة حقوقهم، وهم الذين لم يتركوا حقاً إلا وانتهكوه إبان حكمهم لبنان بقبضة أسيادهم السوريين الذين نصبوهم على رأس الأجهزة الأمنية ليس لحماية الأملاك والسلم الأهلي، بل ليحصوا أنفاس اللبنانيين خصوصاً الذين كانوا يخالفون رأي مرجعية الوصاية، والاعتقالات الجماعية للطلاب داخل الجامعات وأمام قصر العدل في بيروت والملاحقات الكيدية بإخبارات "المواطن الصالح" خير شاهد على تلك الحقبة السوداء التي ما زالت رواسبها مستمرة حتى اليوم.وبرأي المصادر القانونية فإن "المظلومية" التي يدعيها الضباط الأربعة ليس مبالغ فيها فحسب، بل تصل الى حد الاستخفاف بعقول اللبنانيين، وقال "إذا كان هؤلاء يدعون أن توقيفهم مستند الى إفادة الشاهد السوري محمد زهير الصديق "الكاذبة" وغير المستندة الى أدلة حسية، وإلى إفادة الشاهد السوري هسام هسام الذي عاد وتراجع عن اعترافاته (ومعلوم كيف جري تهريبه، وتحت قبضة من هو الآن) فإن ثمة حقائق مرتبطة بدور كل واحد من هؤلاء الضباط. وهذه الحقائق لا يمكن تجاهلها أو إهمالها أو التنكر لها وهي تتلخص بما يلي:أولاً: بالنسبة الى اللواء جميل السيد فإنه لا يمكن التغاضي عن جملة وقائع كان بطلها قبل عملية الاغتيال وتتمثل بتعقب موكب الرئيس الشهيد خلال تناقلاته في بيروت من خلال دوريات للأمن العام، والتنصت على كل مكالماته الهاتفية، وضخ معلومات كاذبة ومفبركة ضده ونشرها في صحف ووسائل إعلام محلية وعربية ودولية عبر صحافيين محسوبين عليه كان يقابلهم السيد يومياً في مكتبه لتزويدهم بها، فضلاً عن تقارير كان يعدها شخصياً ويقدمها للقيادة السورية يصوّر فيها الرئيس الشهيد كمتآمر على سوريا والمصالح القومية والعربية، إضافة الى ما قيل عن دور له في تسلم شريط الفلسطيني احمد ابو عدس وإرساله بطريقة ملتبسة الى محطة "الجزيرة"، بعد أقل من ساعتين على وقوع الجريمة، إضافة الى دوره في اختراع قصة الحجاج الستة من بلدة المنية وتركيب رواية مختلقة عن أنهم نفذوا الجريمة وسافروا فوراً الى اوستراليا لإلصاقها بهم وإبعاد الشبهات عن المجرمين الحقيقيين، غير أن التحقيقات التي أجراها القضاء الأوسترالي مع هؤلاء أثبتت زيف هذه الادعاءات. وعززت الشبهات على مخترعي هذه الأضاليل.ثانياً: بالنسبة الى اللواء علي الحاج فإن تاريخه لم يكن ناصعاً، إذ أن السوريين ومن خلاله فقط استطاعوا اختراق أمن الرئيس الحريري عندما كان الحاج هو المؤتمن على أمنه وحياته، ومسألة جاسوسيته لم تعد سرية إذ كان عين وأذن المخابرات السورية في دائرة الرئيس الحريري، ويبلغهم بكل لقاء أو اتصال أو محادثة يجريها مع أي شخصية لبنانية أو عربية أو دولية... لكن وبعد طيّ هذه الصفحة.. فإن اللواء علي الحاج وما أن تسلّم مهامه كمدير عام لقوى الأمن الداخلي سارع الى خفض عدد عناصر الحماية والمواكبة للرئيس الحريري من أربعين عنصراً الى ثمانية رغم علمه المسبق بالمخاطر التي كانت تحيط به والتهديدات التي كان يتلقاها من قصر المهاجرين في دمشق ومن حاكم عنجر.. كما كان للواء الحاج دوره في إخفاء الأدلة والعبث بمسرح الجريمة وإصراره على نقل سيارات الموكب المدمّرة من المكان قبل الكشف عليها وتصويرها ومعرفة وضعيتها لأن ذلك يساعد التحقيق بحجة أنه تلقى أوامر بهذا الخصوص من القصر الجمهوري وتحديداً من قائد لواء الحرس الجمهوري العميد مصطفى حمدان علماً أن الأخير أقل منه رتبة ويمكنه أن لا ينفّذ أوامره.ثالثاً: أما العميد مصطفى حمدان فلم يكن أقل كيداً ومكراً، فعداؤه للرئيس الحريري قديم وبعمر عداء الرئيس إميل لحود له.. وهو لم يدع مناسبة إلاّ وعبّر فيها عن حقده عليه، ولعلّ دوره في إصدار الأوامر الملحة للواء علي الحاج ولفرق الأشغال بطمر الحفرة التي خلّفها الانفجار بعد ساعات قليلة على وقوعه. وقبل الانتهاء من رفع جثث الضحايا والأشلاء والإصرار على معاودة فتح الطريق أمام السيارات ما هو إلا دليل كافٍ على القول إن ثمة "علاقة محتملة" له في الجريمة، أقلّه من منطلق الريبة والشك.رابعاً: أما عن العميد ريمون عازار وإن لم يكن دوره بمستوى الآخرين فإن ثمة معطيات عن مهام كانت منوطة به، ومنها جمع المعلومات الاستخبارية عن أنشطة الرئيس الحريري السياسية وإعداد التقارير ورصد مكالماته والتنصّت عليها وتكليف سيارات لتعقب موكبه ومراقبة تحركاته.أمام كل هذه الوقائع والمعطيات الثابتة التي يعترف بها الضباط المذكورين فإن الإصرار على معزوفة "مظلومية توقيفهم" من دون أي دليل كما يدعون ما هي إلاّ محاولات لتضليل بعض اللبنانيين إلاّ أنها وإن انطلت على القلة من ضعاف النفوس، غير أنها لا تمرّ على عامة المواطنين، لا سيما المؤمنين بالحقيقة والمراهنين عليها وفي طليعتهم رجال القانون بعدما أصبحت الحقيقة وحدها قضيتهم.
No comments:
Post a Comment