Almustaqbal - Syrian visit to France & the STL, July 12, 2008
تحدّث الى "المستقبل" عن زيارة الأسد إلى فرنسا
مسرّة: النظام السوري يخادع الغرب والمحكمة الدولية لن تتوقف
المستقبل - السبت 12 تموز 2008 - العدد 3015 - شؤون لبنانية - صفحة 6
عمر حرقوص
تأتي زيارة الرئيس السوري إلى فرنسا للمشاركة في اجتماعات الاتحاد من أجل المتوسط، بعد عزلة طويلة للنظام السوري عن المجتمع الدولي وتحديداً منذ العام 2004 بعد التمديد القسري للرئيس السابق إميل لحود وصدور القرار الدولي 1559 والقاضي بمنع التدخل السوري في الحياة السياسية اللبنانية عبر الانسحاب العسكري من لبنان. ويظهر توقيت الزيارة مدلولات لتغيّر ما على الصعيد الدولي وهو ما يراه بعض المحللين محاولة جدية من المجتمع الدولي لتبديل تصرفات النظام السوري ومساعٍ في سبيل الحد من الاضرار التي تنتج عن سياسته المتبعة منذ عقود. فيما يحاول المحيطون بالرئيس السوري وضع هذه العلاقة في إطار كبير وواسع يظهر وكأن النظام السوري بدأ يستعيد مكانته الدولية، أو استعادها، إضافة إلى عودة الاعتراف الدولي به كلاعب أساسي على المستوى الاقليمي، وخصوصاً في ظل إمساكه بالملف الفلسطيني عبر "حماس" في غزة والملف اللبناني عبر حلفائه بعد غزوة بيروت.أستاذ القانون الدولي الدكتور انطوان مسرّة يسجل مجموعة من الملاحظات على هذه الزيارة وتأثيراتها الداخلية الفرنسية إضافة إلى تأثيراتها السورية واللبنانية. وهو يرى في فتح باب التفاوض جزءاً من استراتيجية النظام السوري للمماطلة وكسب الوقت.كما يرى في "الانفتاح" السوري محاولة من النظام السوري للقفز فوق القرارات الدولية وتحديداً المحكمة الدولية المتعلقة بالرئيس الشهيد رفيق الحريري."المستقبل" التقت مسرة وكان هذا الحديث.هل يمكن اعتبار زيارة بشار الأسد إلى فرنسا تغيراً مرحلياً في السياسة أم تغيراً استراتيجياً بين النظام السوري والدولة الفرنسية؟ـ لا يمكن اعتبار هذه الزيارة تغييرية، بل هي مساعٍ في سبيل الحدّ من الأضرار السياسية، إضافة إلى محاولة فتح مجال تفاوض ممكن لا أكثر. فالنظام السوري وطيلة 30 عاماً من احتلاله للبنان اعتمد استراتيجية في التفاوض أساسها المماطلة ومحاولة كسب الوقت. فهو مارس التهديد غير المباشر من خلال احتلاله للبنان وذلك عبر قدرته على ضبط الوضع الداخلي اللبناني من خلال فكفكة العقد. ويمكن القول ان الوضع اللبناني هو الذي أعطى النظام السوري موقعه في النظامين الاقليمي والدولي. أهمية لبنان الاقليمية هي في موقعه إلى جوار إسرائيل حيث يمكن للنظام السوري ان يحرك هذه الحدود، إضافة إلى دور لبنان في مستقبل المنطقة وهو بلد التعددية الدينية. منذ 11 أيلول 2001 نشأ إدراك لدى الدول الديموقراطية حول الارهاب يختلف عن التصور السابق لهذه اللحظة المفصلية، فالارهاب يتطور ويتغذى عبر سيطرة الدول الشمولية أو الديكتاتورية على دول صغيرة أو مستضعفة نتيجة موقعها وهو ما حصل مع النموذج اللبناني. دول الغرب تتخوّف دائماً من الدول المارقة، ولذلك هي تعمل كل فترة على فتح أنواع من التفاوض معها، كما حصل مع النظام السوري من وزير الخارجية الأميركي هنري كيسنجر في العام 1973 وصولاً إلى مساعي وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير في المرحلة الحالية.الأنظمة الاقليمية وتحديداً الغير ديموقراطية تستغل الديموقراطيات في العالم، حيث تكون هذه الديموقراطيات قوية بعلاقاتها الداخلية على كافة المستويات وضعيفة في العلاقات الدولية. فالدول الديكتاتورية تستغل هذه الديمقراطية من خلال تهديدات مباشرة وغير مباشرة، ويمكن وصف بعضها بتفجير السفارة الأميركية في بيروت أو بالضربات القوية التي تعرضت لها القوة المتعددة الجنسيات في العام 1983، إضافة إلى عمليات الخطف وغيرها تمتد طوال الأعوام الثلاثين الماضية. الديموقراطيات تسعى لتدجين هذه الدول المارقة عبر عدد من التحركات السياسية.ما هو تأثير زيارة الرئيس السوري على مسار المحكمة الدولية؟ـ النظام السوري يسعى إلى الخروج من قبضة المحكمة بأي شكل، وخصوصاً أن كل دول العالم أثبتت عدم استعدادها للمساومة في هذا الملف، وهي في تصرفها تحمي لبنان وتساهم في مكافحة الارهاب. ويحاول النظام السوري حماية نفسه من خلال مرور الزمن، ولكن بالتأكيد فإن اجراءات المحكمة لن تتوقف، فمساعي إنشائها تستمر منذ 3 سنوات. وإن كان هناك من إيجابيات لحماية النظام السوري من الانهيار، فهل يمكن لهذا النظام أن يغيّر سلوكه، وخصوصاً ان مساعي كثيرة استمرت طويلاً للقيام بهذا الأمر. وتاريخياً هل هناك نظام في العالم فقد مصداقيته كما فعل النظام السوري؟. يقول الفيلسوف "باسكال" "انه مخادع لدرجة أنه لا يخادع دائماً"، ولذلك لم يعد بالامكان تصديق تصرفات هذا النظام بأي شكل.مأزق النظام السوري انه خلال 3 أعوام من محاولات استعادة الثقة مع لبنان لم يقم بإظهار أي ايجابية ابتداء من قضية شبعا وتقديم الأوراق التي تثبت لبنانيتها إلى الأمم المتحدة وصولاً إلى ترسيم الحدود وموضوع الجمارك. ودولياً كذلك لم يقم هذا النظام بإظهار إيجابية مع الديموقراطيات في العالم، ولذلك لا يمكن بناء علاقات دولية من دون اعطاء ثقة، لأنه لا يمكن بناء تحالفات على المخادعة. الوضع السوري في مأزق لأنه لم يغير من طريقة عمله وتصرفه، وردة الفعل لدى الرأي العام الفرنسي مفيدة في ضبط الزيارة وتحديد أطرها.المفاوضات السورية ـ الإسرائيليةهل يمكن اعتبار هذه الزيارة من تأثيرات المفاوضات السورية ـ الإسرائيلية؟ وما هو تأثيرها على سير هذه المفاوضات؟ـ للمفاوضات السورية ـ الإسرائيلية تأثيرات عدة على الوضعين المحلي والاقليمي، في الجنوب وتحديداً في قضية مزارع شبعا أو قضية سلاح "حزب الله"، وإسرائيل تفضل التفاوض مع النظام السوري، لأنه يمتلك عدداً من الأوراق تؤهله للمساومة وتبديل المواقع بسهولة.منطقة الشرق الأوسط منطقة فاقدة للعقلانية، فإسرائيل فاقدة للعقلانية وتتعاطى مع الملفات بهذا المنطق، فهي تتهرب من السلام وتواصل التخلي عن الالتزامات الدولية تجاه الفلسطينيين. وكذلك الأمر النظام السوري يحمي نفسه من تشكيل المحكمة الدولية، وهو وصل في الأمور مع إيران ولبنان إلى أقصى الحدود. أما لبنانياً فهناك تيارات لا عقلانية تجرّب ما جرّب سابقاً وأدى إلى تدمير لبنان، تقوم هذه التيارات بتجاربها كما حصل منذ فترة وهي تنتظر من عملها انتصارات ناسية التجارب الماضية.الأنظمة الاقليمية تسعى إلى حماية نفسها عبر اعتماد تمرير الوقت، وهي تقوم عبر الديبلوماسية بمحاولات لاختراق العقلانية الغربية عبر فتح باب التفاوض من جهة وإعلان مواقف لا تظهر خصوصية هذه الأنظمة. وهذه ذهنية يصعب تغييرها، وهي مجرّد مساعٍ يتحرك بها النظام السوري لحماية نفسه. التاريخ ومرور الوقت يحتاجان صبراً من اللبنانيين، فهذه الأنظمة تعيد الانقلاب على تصرفاتها هذه مع التبدلات محاولة حماية نفسها.الديموقراطيات وصلت إلى العقلانية بعد تاريخ طويل من الصراعات والحروب، وأسّست لنفسها منطقاً متماسكاً يرفض إعادة الأمور إلى الوراء، ولذلك لا يمكن استغراب سلوك بعض اللبنانيين والنظام السوري وإسرائيل في هذا المجال، التغيير يأتي مع الوقت وهو يحتاج إلى الكثير من الصبر.بين شيراك وساركوزيما هو الفارق في التعاطي مع الملف اللبناني بين الرئيس الفرنسي الحالي نيكولا ساركوزي والرئيس الأسبق جاك شيراك؟ـ الفارق هنا يتعلق بكيفية تفكير الديموقراطيات، فهذه الدول العريقة تتمتع بعلاقات داخلية تحاول تطبيقها في علاقاتها الدولية. وهنا تختلف الرؤية بين الاثنين للعلاقات الخارجية، فشيراك سعى إلى أن يكون للدولة الفرنسية "عضلات" بحيث تؤدي إلى تغييرات خارجية تمنع الارهاب، وهو بذلك يحمي مستقبل الديموقراطيات المهدّدة من الخارج والقوية داخلياً، هذه الدول تتحول إلى ضعيفة تجاه أنماط جديدة من الحروب وخصوصاً حينما تصير داخلها.في الديموقراطيات القوية القوانين تحمي نفسها وتحاسب من يحاول ضربها، والنموذج النازي ما زال ماثلاً، حين تهددّت أوروبا أيام النازية وجدت في رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل حزماً في المقاومة حافظ فيه على الدول الديموقراطية.الدول الديموقراطية الصغيرة مثل لبنان مهددة مباشرة بإرهاب مستمر منذ سنوات، وهذا التهديد يبشر بتهديد ديموقراطيات أكبر وعريقة أكثر، فمسلسل الاغتيالات والتفجيرات ومحاولة إشعال حرب داخلية، لا يمكن إلا وضعه في خانة إرهاب الدول، ونحن قادمون على مرحلة جديدة من التصدي لهذا الارهاب.ما الغاية من إنشاء الاتحاد من أجل المتوسط؟ـ هناك مسعى لدمقرطة المنطقة، وأوروبا معنية بإنشاء الديموقراطيات ونجاحها، وهناك ارتباط بين وجود الديموقراطية والسلام العالمي، يظهر من خلال مسار الدول حيث يستحيل اشتعال الحروب بين الديموقراطيات، وهو أمر صعب التخيل، في ما بين الأنظمة التوتاليتارية تكون إمكانية الحروب أكبر، حيث تشتعل بسهولة.وكلما تطورت الديموقراطية في العالم خفت الحروب، لأن تجارب الديموقراطيات أنشأت آليات لحل النزاعات تجذرت في القوانين وفي حياة الناس.ما هو موقف الرأي العام الفرنسي من زيارة الرئيس السوري في الوقت الحالي؟الرأي العام الفرنسي يرفض تماماً هذه الزيارة، ويحاول وضعها في إطارها الصحيح، حيث لا يريدها أن تكون احتمالاً لاطارات أوسع. الرئيس ساركوزي أخذ مبادرة من خلال انشاء الاتحاد من أجل المتوسط. الرأي العام الفرنسي كان دوره واضحاً هنا بوضعه توازناً وحدوداً رفض فيها تسجيل انتصار لبشار الأسد على حساب قضية الشعب اللبناني وغيرها من القضايا.هل هناك اختلاف داخل الادارة الفرنسية حول هذه الزيارة؟ـ الديبلوماسية تدخل فيها عدة اعتبارات، منها الثقافي والاقتصادي والدبلوماسي والاجتماعي. فرنسا لا تريد معاداة الشعب السوري ومشكلتها تكمن مع النظام وليس الشعب. إضافة إلى ان الاعتبارات الاقتصادية تدخل في الحسبان، وتؤثر في الكثير من مجريات الأمور.ولنأخذ النموذج اللبناني مثلاً، اللبنانيون لا يريدون عداء للسوريين بل يبحثون عن علاقات تاريخية، متطورة بين دولتين تحكمهما علاقات جيرة وديبلوماسية. ولكن هناك مأزق في هذه العلاقات ارتبط بثلاثين عاماً من الوصاية. وفرنسا أقل حدة في العلاقات مع السوريين كما العلاقة مع لبنان.إرتدادات الزيارةكيف تعاطى الأسد داخلياً مع هذه الزيارة وهل لها ارتدادات داخلية؟ـ الموضوع يتعلق بقدرة الرئيس السوري بشار الأسد على أن يكون له قدرة على التغيير، وأن يمنح السوريين وقتاً يستطيعون فيه القضاء على شبكات النفوذ والفساد في السلطة. إضافة إلى مدى قدرته على لملمة وضعه الداخلي، فالأنظمة المستبدة تستمر من خلال الفساد، ومن المستحيل إجراء تغيير من الداخل بعد بقاء نظام متحكماً بالسلطة لأكثر من ثلاثة أجيال، فهو يعيش في نمط الحياة، ويؤثر في كافة مفاصل المجتمع، والصورة في سوريا تشبه حالة العراق في عهد صدام حسين، حيث تسيطر شبكات من النفوذ والسلطة وتمنع التغيير.هذه الحالات صدر لها قرارات دولية عن الأمم المتحدة تمنع إعادة انتخاب الرؤساء لمدد طويلة، وتؤكد على تداول السلطة، في انتاج أنظمة أكثر ديموقراطية.
No comments:
Post a Comment