This blog of the Lebanese Center for Human Rights (CLDH) aims at granting the public opinion access to all information related to the Special Tribunal for Lebanon : daily press review in english, french and arabic ; UN documents, etc...

Ce blog du
Centre Libanais des droits humains (CLDH) a pour objectif de rendre accessible à l'opinion publique toute l'information relative au Tribunal Spécial pour le Liban : revue de presse quotidienne en anglais, francais et arabe ; documents onusiens ; rapports, etc...
.

PRESS REVIEW

Alakhbar - Saddam & Hariri Tribunal, December 2, 2008

محكمتا الحريري وصدام [1/2]
يمثّل العنف حدثاً يومياً في الشرق الأوسط، فتولّد آثاره تحدّياً مستمراً للنظام العالمي وللمفاهيم الأساسية للعدالة. فحوى هذا المقال أنّ مجلس الأمن الدولي والولايات المتحدة يتحملان مسؤولية أساسية عن هذا النوع من الخلل تحديداً. وهنا نموذجان: إنشاء محكمة مقاضاة قتلة رفيق الحريري، والعملية القضائية التي اتُّبعت في مقاضاة صدام حسين
داود خير الله *
لقي اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري اهتماماً استثنائياً من مجلس الأمن الدولي وبعض الدول، وعلى رأسها الولايات المتحدة. كان التعبير عن هذا الاهتمام إرسال لجنة تقصي الحقائق بقيادة فيتزجرالد، تلته لجنة تحقيق دولية لا تزال تعمل منذ ما يزيد على الثلاث سنوات، وانتهاءً بإقامة محكمة دولية خاصة من المتوقع أن تبدأ ممارسة أعمالها في القريب المنظور.
■ ميزات غير معهودة للمحكمة الخاصة
إن الجهود السياسية التي قامت بها قوى بذلت كل ما في وسعها لتحويل المحكمة الخاصة بلبنان إلى واقع، بالإضافة إلى سوء استخدام مجلس الأمن الدولي لحرية التصرف في ممارسة سلطته، هما المسؤولان عن فرادة بعض ميزات المحكمة وابتعادها عما هو تقليدي ومقبول قانونياً. في ما يأتي سأتناول بعض الميزات التي تنفرد بها. إنّ المحكمة الخاصة بلبنان هي المحكمة الوحيدة التي أنشئت تحت رعاية الأمم المتحدة، ولكن ليس للنظر في انتهاكات فاضحة للقانون الإنساني الدولي.
في الواقع، «إنها المحكمة الوحيدة التي تمارس سلطتها حصرياً على جرائم تُحدد وفقاً للقانون المحلي، أي القانون اللبناني». فكل المحاكم الدولية الأخرى، سواء أنشئت بفعل قرار أحادي الجانب، صادر عن مجلس الأمن الدولي (مثل المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغوسلافيا السابقة)، أو وفق اتفاق بين الأمم المتحدة والدول المعنية (مثل المحكمة الخاصة بسيراليون)، تنظر في جرائم دولية ضد الإنسانية.
الجريمة الأساسية التي ستنظر فيها المحكمة، هي جريمة ذات دافع سياسي وصفها مجلس الأمن بالعمل الإرهابي. إلاّ أنه لم يُتوصّل إلى توافق دولي على تحديد مثل هذا النوع من الجرائم ـــ العمل الإرهابي ـــ ولم تُحدد عقوبة لها.
كما لم يسبق أن أُنشئ أي جهاز قضائي دولي لمثل هذه الجريمة ومعاقبة مرتكيبها، وبالتالي لا سابقة في الممارسة الدولية يمكنها أن تمثّل دليلاً تستهدي به محكمة الحريري.
في الواقع، كل القرارات الصادرة عن مجلس الأمن الدولي في الحرب المستمرة على الإرهاب، تطلب من الدول الأعضاء أن تعتمد كل منها التشريع المناسب لملاحقة مرتكبي مثل هذه الجرائم ومعاقبتهم. أضف إلى ذلك، أنه ما كان ممكناً محاكمة المتهمين باغتيال الحريري أمام المحكمة الجنائية الدولية، لا لأن لبنان ليس من الموقعين على معاهدتها التأسيسية، بل لأن الجريمة ليست تلك التي تملك هذه المحكمة حق النظر والفصل فيها.
الميزة الفارقة الأخرى المتعلقة بمحكمة الحريري هي أنها أول محكمة خاصة ذات طابع دولي تنشأ تحت رعاية الأمم المتحدة لمحاكمة قتلة رئيس وزراء أسبق أو شخصية بارزة. هذا ولا يمكن القول إن المحكمة الخاصة بلبنان تعكس إرادة المجتمع الدولي بتوسيع نطاق سلطة نظام العدالة الجنائية الدولية، فينشئ سابقة لحالات مماثلة. يُذكر أن القوى العالمية الكبرى، التي عبّرت بقوة عن تأييدها لإنشاء محكمة الحريري، فشلت في التدخل بشكل مماثل بعد الاغتيال الأخير لرئيسة الوزراء الباكستانية السابقة بنازير بوتو، على الرغم من طلب العديد من الباكستانيين وسواهم إنشاء محكمة دولية، أو حتى بعثة دولية، للتحقيق في جريمة اغتيالها.
كما أنها المرة الأولى التي تنشأ فيها محكمة خاصة ذات طابع دولي، تستند أسسها القانونية إلى اتفاق ثنائي، بناءً على قرار من مجلس الأمن وتحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. فالمحاكم الخاصة ذات الطابع الدولي تتميز عن المحاكم الدولية في أنها تدخل حيز الوجود عبر اتفاق بين البلد المعني والأمم المتحدة. وعلى عكس هذه المحاكم الخاصة المنبثقة عن اتفاقات، ينشئ مجلس الأمن بشكل أحادي المحاكم الدولية تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة للنظر في جرائم دولية تُعدّ من المآسي البشرية الكبيرة، وتمثّل تهديداً للسلام والأمن الدوليين. إنّ مقارنة بين المحكمة الخاصة بلبنان، وتلك المحاكم الدولية الأخرى، بالإضافة إلى أنها تقدم برهاناً إضافياً على الفرادة ذات الدافع السياسي لمحكمة الحريري، تظهر سوء استخدام مجلس الأمن لحرية التصرف وضعفاً في أسس عملها القانونية.
■ مقارنة مع محكمة سيراليون
قد تكون المحكمة الخاصة بسيراليون النموذج الأقرب، من حيث البنية، إلى المحكمة الخاصة بلبنان. فمنذ البداية، عُدّت محكمة لبنان ثمرة اتفاق ثنائي بين لبنان والأمم المتحدة. وقدّمت المحكمة الخاصة بسيراليون إطاراً نموذجياً لاعتبار مثل هذا الاتفاق أسساً قانونية. وقد أُنشئت محكمة سييراليون بالرضى المتبادل، ومثّل وضعها القانوني وقانونها الساري وتأليفها وبنيتها التنظيمية مواضيع تفاوض الطرفان بشأنها واتفقوا عليها. بتعبير آخر، تمتعت المحكمة الخاصة بسيراليون بالوضع القانوني الذي يتصف به جهاز دولي يقوم على أساس اتفاق، وهو بالتحديد ما أمل بالحصول عليه المفاوضون اللبنانيون والتابعون للأمم المتحدة قبل أن يحرفهم عن مسارهم مأزق دستوري. وبالتالي لا عجب في أن المفاوضين اعترفوا بأنهم لم يكونوا بحاجة إلى الابتكار، فاتخذوا قراراً واعياً بإنشاء محكمة مختلطة تمتلك أجهزة تنفيذية عديدة صيغت، من نواح عدة، على غرار المحكمة الخاصة بسيراليون.
لكن هذا الكلام لا يعني أن لا اختلافات جوهرية بين محكمة لبنان وسالفتها التي لعبت دور النموذج بالنسبة إليها. فأهم هذه الاختلافات أن صلاحية هاتين المحكمتين تختلف كثيراً في ما بينهما. فقد أنشئت محكمة سيراليون الخاصة لكي تشمل صلاحيتها أولاً الجرائم التي تندرج ضمن القانون الإنساني الدولي، وأيضاً بعض الجرائم الخاضعة لقانون سيراليون (وقد ضُمِّنت على اعتبار أنها تشمل كل الحالات التي رأى فيها المفاوضون بعض الأوضاع المعينة «أنها إما غير منظمة أو منظمة بشكل غير ملائم في القانون الدولي»؛ وتتضمن مثل هذه الأوضاع الجرائم المتعلقة باستغلال الفتيات والتدمير المتعمد للملكيات). بينما محكمة لبنان، من جهة ثانية، هي المحكمة الدولية الوحيدة التي تمارس صلاحيتها حصرياً على الجرائم التي يحددها القانون المحلي، أي القانون اللبناني.
وجهان للعدالة المشوّهة لتبرير التدخّل بشؤون داخليّة
الرئيس الشهيد رفيق الحريري (أرشيف)بصورة خاصة، ينص القانون الجنائي المطبَّق في المحكمة الخاصة بلبنان، على «أحكام قانون العقوبات اللبناني المتعلقة بملاحقة ومعاقبة الأعمال الإرهابية والجرائم والجنح التي ترتكب ضد حياة الأفراد وسلامتهم الشخصية، والتجمعات غير المشروعة، وعدم الإفادة عن الجرائم والجنح، بما في ذلك القوانين المتعلقة بالعناصر المادية للجريمة، والمشاركة في الجريمة والتآمر فيها».
وما كان هذا الاختلاف ليكتسي أهمية تبلغ حدّ التشكيك بقانونية المحكمة الخاصة بلبنان، لو أنشئت من خلال عملية إقرار المعاهدات التي يعتمدها لبنان عادة. فالدولة المستقلة حرة، وفق القانون الدولي، في أن تحدّ من ممارسة حقوقها السيادية. غير أن الدور الذي لعبه مجلس الأمن في فرض قيام المحكمة تحت سلطة الفصل السابع وبغياب عملية الإقرار الواجبة من جانب السلطات الدستورية اللبنانية، يجعل من هذا الاختلاف مثيراً لجدل قانوني. وليُفهم السبب، من الضروري النظر في الظروف المحيطة بالحالتين التي أنشأ فيهما مجلس الأمن، منذ وُجد، محكمة دولية تحت الفصل السابع.
■ محكمتا يوغوسلافيا ورواندا
ديتليف ميليس (أرشيف ــ وائل اللادقي)لم ينشئ مجلس الأمن كلاً من المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغوسلافيا السابقة والمحكمة الجنائية الدولية الخاصة برواندا عبر اتفاقين، بل بشكل أحادي من خلال قرارين من مجلس الأمن يرتكزان على سلطة المجلس في الحفاظ على السلام والأمن الدوليين تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. وكان للمحكمتين ولايتان متشابهتان. فكان للمحكمة الخاصة بيوغوسلافيا السابقة السلطة «لملاحقة الأشخاص المسؤولين عن انتهاكات خطيرة للقانون الإنساني الدولي المرتكبة على أراضي يوغوسلافيا السابقة منذ 1991».
أما المحكمة الخاصة برواندا، فقد خُوّلت «أن تقاضي الأشخاص المسؤولين عن انتهاكات خطيرة للقانون الإنساني الدولي المرتكبة على أراضي رواندا، والمواطنين الروانديين المسؤولين عن مثل هذه الانتهاكات في الدول المجاورة، بين كانون الثاني / يناير 1994 و31 كانون الأول / ديسمبر 1994». هذا وتوصف الجرائم المرتكبة في يوغوسلافيا السابقة، وفي رواندا بأنها «مآس كبيرة بحق حقوق الإنسان»، وهي تشمل «الإبادة الجماعية، والتعذيب، والاغتصاب، وأشكالاً أخرى من الاعتداءات الجنسية المستخدمة كأداة حرب، وممارسة التطهير العرقي، وسوء معاملة السجناء المدنيين، وتدمير الملكية الخاصة والتاريخية والثقافية العامة، وتهجير السكان المدنيين، ومهاجمة المدارس والمستشفيات وإلى ما هنالك». إن الطبيعة نفسها للجرائم الشنيعة المرتبكة في يوغوسلافيا السابقة وكميتها «دفعتا المجتمع الدولي إلى السعي إلى محاكمة المسؤولين كمحاولة من محاولاته إعادة تثبيت السلام العالمي». وبدءاً بالقرار الرقم 764، أدان مجلس الأمن الجرائم الشنيعة التي ارتكبتها الأطراف المتنازعة، وعدّها انتهاكات للقانون الإنساني الدولي، وأعاد التأكيد أنه يتوجب على كل الفرقاء الامتثال لمثل هذا القانون، لا سيما لاتفاقيات جنيف الموقعة في 12 آب / أغسطس 1949. كما أكد المجلس أن «الأشخاص الذين يرتكبون أو يأمرون بارتكاب خروقات خطيرة للمعاهدات، هم مسؤولون فردياً بالنسبة إلى مثل هذه الخروقات». ثم أتى القرار الرقم 771 الذي طلب التوقف الفوري عن كل خرق للقانون الإنساني الدولي، ودعا الدول والمنظمات إلى تقديم معلومات مثبتة عن مثل هذه الانتهاكات. وعبر القرار 780، طلب مجلس الأمن أن ينشئ الأمين العام لجنة خبراء لتحليل المعلومات المقدَّمة وفقاً للقرار 771. واعتمد المجلس لاحقاً القرار 808 الذي قرر فيه، في المبدأ، إنشاء محكمة دولية «لملاحقة الأشخاص المسؤولين عن انتهاكات خطيرة للقانون الإنساني الدولي ارتكبت على أراضي يوغوسلافيا السابقة منذ 1991».
وأخيراً، أنشأ مجلس الأمن رسمياً، المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغوسلافيا السابقة وفقاً للقرار 827 الذي اعتُمد صراحة تحت الفصل السابع من الميثاق.
يوضح ما سبق، أن إنشاء المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغوسلافيا السابقة، لم يكن إلاّ إحدى ممارسات مجلس الأمن للصلاحيات التي يتمتع بها تحت الفصل السابع في هذا السياق. فقد فرض القرار 713 مثلاً «حظراً عاماً وكاملاً على كل عمليات تسليم الأسلحة والمعدات العسكرية إلى يوغوسلافيا». وسمح القرار 757 باستخدام القوة العسكرية ضد صرب البوسنة. ونتيجة لذلك، استخدمت الحجة القائلة بأن «استخدام القوة مسموح به كتدبير وفق المادة 42 من ميثاق الأمم المتحدة. فمن باب أولى، يجب السماح بإنشاء محكمة جنائية دولية خاصة يمكن تبريرها بأنها استجابة قضائية لمتطلبات الوضع في يوغوسلافيا السابقة، حيث أبلغ أن جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية مروعة ارتكبت على نطاق واسع: هذان هما نوعا الجرائم اللذان أنشئت المحكمة لمحاكمة مرتكبيهما».
ويمكن تقديم حجج مشابهة في ما يتعلق بالمحكمة الجنائية الدولية الخاصة برواندا. فقد كان النزاع في رواندا على القدر نفسه، إن لم يكن أكثر، من الوحشية الذي اتصف به النزاع في يوغوسلافيا السابقة.
ففي خلال الفترة الممتدة من 6 نيسان / أبريل 1994 إلى 18 تموز / يوليو 1994، قُتل عدد يقدر بـ500000 مدني في رواندا نتيجة جرائم وحشية مدبرة ومنهجية. وهكذا أنشئت المحكمتان الجنائيتان الدوليتان تحت الفصل السابع للنظر في الانتهاكات الوحشية للقانون الإنساني الدولي والمتعلقة بفظائع جماعية طالت مئات آلاف المدنيين. واللجوء إلى الفصل السابع في هذه الحالات، «مثّل تحوّلاً فعلياً في اعتبار أوضاع داخلية تهديدات للأمن الدولي، ما يبرّر التدابير القسرية الواردة في الفصل السابع»، ولكن هذا الانتقال كان يستند بوضوح إلى خطورة الفظائع موضع البحث وإلى مداها.
لا يمكن قول الكلام نفسه عن المحكمة الخاصة بلبنان. فكما ذكر سابقاً، لا تشمل صلاحيتها النظر في أي جريمة دولية؛ بل ينحصر قانونها المطبق ببعض أحكام القانون الجنائي اللبناني. وثانياً، أنشئت محكمة الحريري للنظر، على الأقل في الأساس، في جريمة منفردة نسبياً وقعت ضمن حدود لبنان في 14 شباط / فبراير 2005 واستهدفت فرداً قتل مع 22 شخصاً آخرين.
الميزة الفارقة الأخرى التي تتصف بها المحكمة الخاصة بلبنان، هي أن إنشاءها أدّى إلى ما بدا أنه إساءة استخدام مجلس الأمن للسلطة الاستنسابية التي يتمتع بها، ما زرع الشكوك في شرعية قرار المجلس. فالقرار 1757، يمكن النظر إليه بطريقة من اثنتين، وكلتاهما إشكاليتان: إمّا أن مجلس الأمن الدولي اختار أن يوقع نفسه جدياً في شرك البنية السياسية ويتدخل في شؤون لبنان الداخلية، عبر تغيير جوهري للعملية الدستورية التي يتبعها لبنان لكي تدخل الاتفاقات التي توقعها الدولة حيز التنفيذ، أو أنه فرض على لبنان اتفاقاً بكامله، بما فيه أحكامه الجوهرية والإجرائية. وفيما يملك مجلس الأمن سلطة استنسابية وحرية تصرف كبيرتين وفق ميثاق الأمم المتحدة لتحديد وجود تهديدات للسلام والأمن الدوليين، وكذلك الإجراءات الضرورية لمواجهتها، إلاّ أن قدراته تخضع لحدود قانونية. فمبدأ التناسب (principle of proportionality) يحدّ من حرية تصرف المجلس ويجعل من الصعب القول، على الرغم من أخذ كل الظروف التي رافقت موت الرئيس الحريري والآخرين بعين الاعتبار كلّياً، إن «العمل الإرهابي» موضع البحث بكل تبعاته، وقد يكون جزء كبير منه نتيجة ثانوية لأعمال الولايات المتحدة ومجلس الأمن، هو بمثابة تهديد للسلام والأمن الدوليين. تهديد بلغ من الأهمية ما يبرّر العمل تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
فكيف يمكن للمرء عدم الاستنتاج أن اللجوء إلى الفصل السابع من الميثاق كان ترخيصاً منحه مجلس الأمن لنفسه لكي يتخطى منع التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء المنصوص عليه في ميثاق الأمم المتحدة؟ فالاستثناء الوحيد لمنع تدخل الأمم المتحدة في الشؤون الداخلية «لأي دولة» هو التدابير القسرية المتخذة تحت الفصل السابع للحفاظ على السلم العالمي.
رأى مجلس الأمن أن رئيس الوزراء فؤاد السنيورة والوزراء الذين بقوا في حكومته، هم «السلطة الوحيدة والحصرية لحكومة لبنان» (القرار 1757)، وتجاهل التظاهرات الشعبية الحاشدة التي شككت في دستورية حكومة السنيورة، واحتجاجات العديد من الفرقاء الوازنين سياسياً، بمن فيهم ممثلون عن أجهزة في الدولة تتمتع بأهلية أكبر، والمعارضة التي تمثل نصف الشعب اللبناني على الأقل.
وفي ما يلي خطأ آخر ارتكبه مجلس الأمن. فالمحكمة الخاصة بلبنان لم تنشأ عبر عمل أحادي الجانب قامت به الأمم المتحدة، وبالتالي تنقصها كل الميزات القانونية التي تتصف بها محكمة جنائية دولية. إنها محكمة هجينة، وفي ظلها، يكون لطبيعة الجريمة والقانون المرعي الإجراء ومساهمة لبنان في تمويلها وتأليف طاقم عملها تأثير حتمي في طابعها القانوني. وبالإضافة إلى ذلك، تتكوّن الأسس القانونية للمحكمة من اتفاق ثنائي بين الأمم المتحدة والحكومة اللبنانية. ويحدد قرار مجلس الأمن فقط الموعد الذي يصبح فيه اتفاق لم يُقرّ وفق الأصول ووفق الأصول القانونية الملزمة نافذ المفعول. فهذا الاتفاق الثنائي بين فريقين، المفروض والمندرج تحت البند السابع، الذي يتضمن واجبات كانت بالتحديد موضع تفاوض واتفاق بين الفريقين، هل سيكون له أثر ملزم بالنسبة إلى سائر العالم إذا كان مواطنون من دول أخرى متورطين في الجريمة بأي شكل من الأشكال؟ إذا كان الرد بالإيجاب، فعلى أي أسس قانونية؟ وهل سيمكن تطبيق القانون الجنائي اللبناني، الذي ينص على عقوبة الإعدام، على مواطني الدول التي يمنع فيها الدستور والثقافات عقوبة الإعدام؟
هل سيكون مدعي عام المحكمة الخاصة بلبنان، قادراً على استدعاء مسؤول فرنسي مثلاً ليدلي بشهادته بشأن اختفاء شاهد أساسي في جريمة اغتيال الحريري، فيما إذا كان في عهدة فرنسا؟ تبقى كل هذه الأمور عالقة إلى أن تتألّف المحكمة بالشكل الكامل وتصبح عاملة.
لا يهدف هذا الكلام إلى الإيحاء بأن مجلس الأمن لا يتمتع بالسلطة لإنشاء محكمة جنائية دولية تحت الفصل السابع، يكون لها صلاحيات في جرائم تتجاوز تلك المندرجة ضمن القانون الدولي العرفي ـــ الإبادة الجماعية، جرائم الحرب، الجرائم ضد الإنسانية ـــ التي تمثّل بذاتها جرائم ضد سلام البشر وأمنهم. ويمكن القبول تماماً بفكرة أن مجلس الأمن، إذ يعمل تحت الفصل السابع، يستطيع أن ينشئ محكمة دولية أو مدوّلة من أجل النظر في انتهاكات مثل الجرائم الإرهابية وجرائم المخدرات أو المتاجرة بالبشر. إذ بعد مداولات موضوعية، توصل إلى استنتاج مفاده أنها تمثّل تهديداً للسلام والأمن الدوليين.
وسيحتاج مجلس الأمن، في مثل هذه الحالة، إلى تحديد المعايير التي تجعل من بعض الأعمال جرائم دولية، وذلك بالرجوع إلى معاهدات دولية أو قانون دولي عرفي ذي صلة.
في هذا الخصوص، لا بد من الإشارة إلى أن الأمين العام، في تقريره عن إنشاء محكمة خاصة بلبنان، طرح وجهة النظر القائلة إن اغتيال الحريري والتفجيرات الأخرى التي وقعت في الفترة الزمنية ذات الصلة استهدفت مدنيين منهجياً، وبالتالي يمكن التعامل معها كجرائم ضد الإنسانية. ولكن كما يوضح الأمين العام نفسه، فـ«نظراً إلى وجهات النظر التي عبّر عنها الأعضاء المعنيون في مجلس الأمن، لم يتوافر الدعم الكافي لإدراج الجرائم ضد الإنسانية ضمن صلاحية المحكمة». لو كان مجلس الأمن مقتنعاً بأن اغتيال الحريري مثّل جريمة ضد الإنسانية أو تهديداً للسلام والأمن الدوليين، لكان يمكن أن يبرَّر تماماً إنشاؤه محكمة أحادياً وتحت الفصل السابع كما فعل عندما أنشأ المحكمتين الجنائيتين الدوليتين الخاصتين بيوغوسلافيا وبرواندا. لكن مجلس الأمن فضّل، بدلاً من ذلك، أن يقوم بالخطوة الاستثنائية التي قضت بأن يأمر، عبر قرار صدر عنه، بأن يصبح نافذَ المفعول اتفاقٌ مع دولة لم تقرّه عبر عمليتها الدستورية، وهو أمر لم يسبق له القيام به مطلقاً.
بعد إنشاء المحكمتين الجنائيتين الخاصتين بيوغوسلافيا السابقة وبرواندا، صمّم مجلس الأمن الدولي ببراعة، آلية تقوم على أسس ثابتة لإنشاء محكمة جنائية دولية تبرر اللجوء إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. ولكن في حالة لبنان، اختار مجلس الأمن الدولي، غضّ النظر عن هذه السابقة المهمة، وسلك طريقاً ليست ضرورية ولا متناسبة مع هدفه، أي الحفاظ على السلام والأمن الدوليين. في العديد من الأحكام، يشير ميثاق الأمم المتحدة إلى أن أعمال مجلس الأمن خاضعة لمبدأ التناسب. وفي تقييم عمل الأمم المتحدة من ناحية عدالة أعمال مجلس الأمن واتساقها، وأهم أجهزتها، وأيضاً امتثال المجلس للعمل «وفقاً لمبادئ العدل والقانون الدولي»، كما يقتضي البند الأول من ميثاقه، يجب أن ندقق أولاً بتصرف أعضائه، لا سيما الخمسة الدائمي العضوية الذين يملكون حق الفيتو.
فالولايات المتحدة، بما تتمتع به من قوة اقتصادية وعسكرية، لا سيما بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، تلعب دوراً محورياً في اتخاذ مجلس الأمن كلّ قرار أو عدم اتخاذه. فلا يمكن التصور عملياً أن قراراً ما يصدر عن مجلس الأمن من دون أن ينال رضى الولايات المتحدة الكامل.
فمنذ اليوم الأول، كانت الولايات المتحدة المحرك الرئيس في تدويل اغتيال السيد الحريري وتدخل مجلس الأمن الدولي، بما في ذلك إنشاء بعثة تقصي الحقائق ولجنة التحقيق الدولية ومحكمة خاصة ذات طابع دولي. ووُجِّهَت اتهامات كثيرة إلى الولايات المتحدة بأنها تستخدم جريمة الحريري والآليات القضائية لتحريف العدالة لأغراض سياسية. وقد جرى التعبير بقوة عن رغبة الحكومة الأميركية وجهودها لإنشاء محكمة الحريري. وعندما اتضح أن لا توافق بين اللبنانيين على تدويل المحكمة كما تقترح الأمم المتحدة، وبالتالي أن إقرارها لبنانياً وفق الأصول الدستورية لم يكن متوافراً، حذّرت وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس «لبنان من أن واشنطن ستدفع باتجاه إنشاء محكمة دولية لجريمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري. وستتابع الولايات المتحدة الخطة عبر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إذا لم يتمكن لبنان من التصرف».
وكتعبير إضافي عن الاهتمام الذي توليه الحكومة الأميركية بمحكمة الحريري، صرحت رايس، في 14 شباط / فبراير 2008، أن الولايات المتحدة تنوي «مضاعفة التزاماتها بميزانية السنة الأولى للمحكمة من 7 ملايين دولار أميركي، إلى 14 مليون دولار». إذا اعتقدنا أن تطبيق العدالة كان الدافع الوحيد الذي حدا بالولايات المتحدة إلى تدويل لم يسبق له مثيل للعملية القضائية المرتبطة بمحاكمة المتهمين بقتل رئيس وزراء أسبق، فكيف نتوقع أن تكون ردة فعلها حيال حاكم طالما اتُّهم بارتكابه جرائم حرب وجرائم شنيعة ضدّ الإنسانية؟
* بروفسور مساعد في مركز الدراسات القانونية في جامعة جورج تاون ـــ واشنطن
(فقرات من مقال نشر في العدد الأخير من مجلة
Contemporary Arab Affairs)

No comments:

Background - خلفية

On 13 December 2005 the Government of the Lebanese Republic requested the UN to establish a tribunal of an international character to try all those who are alleged responsible for the attack of 14 february 2005 that killed the former Lebanese Prime Minister Rafiq Hariri and 22 others. The United Nations and the Lebanese Republic consequently negotiated an agreement on the establishment of the Special Tribunal for Lebanon.

Liens - Links - مواقع ذات صلة

The Washington Institute for Near East Policy, David Schenker , March 30, 2010 . Beirut Spring: The Hariri Tribunal Goes Hunting for Hizballah


Frederic Megret, McGill University, 2008. A special tribunal for Lebanon: the UN Security Council and the emancipation of International Criminal Justice


International Center for Transitional Justice Handbook on the Special Tribunal for Lebanon, April 10, 2008


United Nations
Conférence de presse de Nicolas Michel, 19 Sept 2007
Conférence de presse de Nicolas Michel, 27 Mars 2008


Département d'Etat américain
* 2009 Human Rights report
* 2008 Human Rights report
* 2007 Human Rights report
* 2006 Human Rights report
* 2005 Human Rights report



ICG - International Crisis Group
The Hariri Tribunal: Separate the Political and the Judicial, 19 July, 2007. [Fr]


HCSS - Hague Centre for strategic studies
Hariri, Homicide and the Hague


Human Rights Watch
* Hariri Tribunal can restore faith in law, 11 may 2006
* Letter to Secretary-General Kofi Annan, april 27, 2006


Amnesty International
* STL insufficient without wider action to combat impunity
* Liban : le Tribunal de tous les dangers, mai 2007
* Jeu de mecano


Courrier de l'ACAT - Wadih Al Asmar
Le Tribunal spécial pour le Liban : entre espoir et inquiétude


Georges Corm
La justice penale internationale pour le Liban : bienfait ou malediction?


Nadim Shedadi and Elizabeth Wilmshurt, Chatham House
The Special Tribunal for Lebanon : the UN on Trial?, July 2007


Issam Michael Saliba, Law Library of Congress
International Tribunals, National Crimes and the Hariri Assassination : a novel development in International Criminal Law, June 2007


Mona Yacoubian, Council on Foreign Relations
Linkages between Special UN Tribunal, Lebanon, and Syria, June 1, 2007