Almustaqbal - Mille miles sur la route du Tribunal, november 10, 2007.
ألف ميل على طريق المحكمة
المستقبل - السبت 10 تشرين الثاني 2007 - العدد 2788 - ملف - صفحة 10
فادي ريحان
قبل الف يوم بالتمام والكمال، انفجر نحو طنين من المواد الشديدة الانفجار والمحملة على ظهر شاحنة ميتسوبيشي، في منطقة خاضعة امنياً لسيطرة قوى الامن اللبنانية التي عين قادتها ابان عهد الوصاية السورية على لبنان وبمؤازرة جهاز مخابرات الجيش السوري في لبنان في اطار جماعة اتفق على تسميتها "النظام الامني اللبناني ـ السوري المشترك". وكانت المتفجرة هذه المنقولة عبر الاراضي السورية بحسب ما توصلت اليه لجنة التحقيق الدولية، تستهدف رئيس كتلة نيابية كبيرة في البرلمان اللبناني ورئيس وزراء سابقاً وزعيماً سياسياً، وقد قتلت نائباً في البرلمان اللبناني هو باسل فليحان، وعدداً من مرافقي الرئيس والنائب الشخصيين وكذلك التابعين للسلك العسكري الامني اللبناني، وعدداً كبيراً من المواطنين فاق العشرين. كانت جريمة ضخمة بكل المقاييس فقد هزت البلاد هزاً، واعادت إلى الاذهان عمليات الاغتيال الكثيرة التي ارتكبت خلال الحروب اللبنانية المديدة والمتناسلة حروباً كثيرة، تلك الاغتيالات التي كانت دوافعها معروفة ومرتكب اكثرها معروفاً ايضاً. وايقظت الجريمة الشنيعة تلك غالبية غالبة من اللبنانيين من سبات كان قد اغرقهم فيه نظام الوصاية المتسلط على كل تفاصيل حياة اللبنانيين، فإندفعوا إلى الساحات مطالبين بإنهاء النظام الامني السوري اللبناني المشترك، وطالبوا بسحب جنود الجيش الوصي بالنسبة لبعضهم والمحتل بالنسبة لبعضهم الآخر، ورفعوا الصوت مطالبين بالحرية والسيادة والاستقلال بعد اعوام طويلة من الاستتباع والتسلط كانا صنيعة مافيا الحكام في سوريا. هذا في العام السياسي، اما على الارض وفي مكان وقوع الانفجار تحديداً، فقد اشعلت المتفجرة جميع سيارات موكب الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ودمرت الابنية المجاورة وتركت حفرة عميقة في المكان. هنا بدأت مسيرة تعطيل المحكمة والمحاكمة والتحقيق. فقد قرر عتاة ضباط الامن المولجين، بطبيعة الحال، امر حماية المواطنين سواء كانوا من المسؤولين السياسيين او المدنيين العزل، ازالة الشواهد من ساحة الجريمة. هكذا بكل بساطة، بعد مرور ساعات قليلة على وقوع جريمة هزت البلاد والعباد قرر هؤلاء نقل السيارات المحترقة إلى ثكنة الحلو وطمر الحفرة التي خلفها الانفجار بعد تحقيقات وهمية سخيفة قام بها عدد من ضباطهم. والآن يريدنا كثيرون، بعد مرور الف يوم على ارتكاب الجريمة ان نعتقد ان هذا القرار ليس سوى قرار طبيعي واداري لا علاقة للتآمر به، وان الضباط المسؤولين كانوا يريدون بتلك الوسيلة الكشف عن الجناة واعتقالهم. ساسة وقادة وزعماء ميليشيات مسلحة، ما زالوا يصدحون بأصواتهم وبأقلامهم عبر شاشاتهم ووسائل اعلامهم وصحفهم بما يفيد ان ازالة الادلة من ساحة الجريمة لم يكن عن سوء نية وان اعتقال الضباط الاربعة مخالف للقانون. هذا استغباء اول لعقولنا نحن المواطنين والمدنيين العزل الذين نريد معرفة الحقيقة. استغباء يضاف إلى محاولة التعطيل الاولى، تلك، لمجريات التحقيق. حل بعض من مشكلة مديدة، في الايام المئة او المئتين الاولى. انسحب الجيش السوري من لبنان تحت ضغط الارادة الشعبية والظروف السياسية الضاغطة والمستجدة. اعتقل الضباط الاربعة الذين حاولوا عرقلة التحقيق، والذين تبين للمحقق الاول ديتليف ميليس ان اتصالات جرت معهم من محيط المجلس النيابي عند خروج الرئيس الحريري منه، ومن موقع الجريمة قبل وقوعها وبعد وقوعها. ثم استقالت حكومة عهد الوصاية الاخيرة، التي ضمت في صفوفها رجل مخابرات يدعى وئام وهاب، وآخر يدعى ناصر قنديل وغيرهم... وهؤلاء جميعهم من ربيبي النظام الامني اللبناني السوري المشترك ومروجي سياسته التخريبية في لبنان بحجة "الممانعة" والوقوف بوجه المشروع الاميركي في المنطقة، الفكرتان الممجوتان والمعلوكتان في عالمنا العربي منذ سنوات طويلة ادت إلى استعباد الناس وسحقهم وتسليط مستبدين عليهم. وفي الايام التالية بحسب التقويم المتبع منذ اليوم الاول لاغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، اجريت الانتخابات النيابية واعطت فريق 14 آذار الاكثرية في مجلس النواب وشكلت حكومة وحدة وطنية، استقلالية وسيادية وتضم في صفوفها بعض حلفاء سوريا في لبنان "حزب الله وحركة امل" والذين شكروا سوريا في 8 آذار على ما ادته لنا طيلة فترة وجود جيشها على ارضنا (وكان حينها الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله قد اهدى رستم غزالة بندقية المقاومة التي غنمتها من احد جنود الجيش الاسرائيلي في احدى عملياتها، كعربون وفاء مقابل كل الاعتقالات التعسفية التي قام بها اثناء وجوده مفوضًا ساميًا على النظام اللبناني، ومقابل القتلى والمخطوفين وعمليات التهجير والتدمير التي قام بها جيشه في لبنان منذ العام 1976). هكذا كانت تسير الامور في اتجاهين في الايام التالية على ارتكاب الجريمة مهما امتدت في المئات وحتى لو وصلت اليوم إلى الالف. اتجاه السيادة والاستقلال والمطالبة بمعاقبة القاتل، واتجاه الحنين إلى زمن الوصاية الذي اتهمه جمع غالب من اللبنانيين بارتكاب الجرائم. ولكن في تلك المسيرة (مسيرة الانقسام إلى اتجاهين في السياسة اللبنانية) كان الطرف الآخر لا يتوقف عن ترداد مقولة أنه يريد معرفة هوية القاتل وانه حريص على تشكيل المحكمة الدولية لمحاكمة القتلة. كان هذا الاستغباء الثاني لعقولنا (الاول هو الدفاع عن الضباط الاربعة)، ففي مقابل الموافقة اللفظية، كان مفوهو هذا الفريق يتهمون قاضي التحقيق الاول، ديتليف ميليس بتسييس التحقيق، ذلك لانه كان قد وجد ان الادلة جميعها تشير إلى سوريا في ارتكاب الجريمة. ثم اعتكف وزراء هذا الفريق عن حضور جلسات مجلس الوزراء عند محاولته اقرار مسودة مشروع تشكيل المحكمة الدولية بحجة انهم لم يطلعوا عليها، وهذه حجة التلميذ الكسول في يوم الامتحان. وفي الوقت عينه كان لا يزال الساسة والمفوهون من هذا الفريق (واضيف اليهم في تلك الفترة مفوهو التيار الوطني الحر الجدد بعد توقيع جنرالهم التفاهم الشهير مع الامين العام لحزب الله) يشددون على رغبتهم في محاكمة القتلة والمجرمين بواسطة المحكمة الدولية حيناً، او بواسطة محكمة لبنانية حيناً آخر، واجراء تحقيق بالجريمة من قبل لجنة تحقيق سورية شكلت لهذا الغرض ولكنها لم تقم بأي عمل منذ تشكيلها، وهي في الاساس شكلت لكي لا تقوم بأي عمل. وكانوا ايضاً يروجون لمقولة النظام السوري ان القضاء السوري سيحاكم الرعايا السوريين في حال تم اتهام احدهم بارتكاب الجريمة، وكان هذا هو استغباؤنا الثالث (وجاء ذلك في فترة متأخرة بعدما فهم المسؤولون في النظام السوري ان المحكمة الدولية آتية لا محالة)، وعلى هذه الحال مضت الرغبة في التعطيل، المترافقة مع خطابات لفظية تقول بذلك. انها البراغماتية السيئة نفسها التي تدفع "حزب الله" حليف سوريا الاول في لبنان إلى الجلوس حول طاولة الحوار للتوصل مع سائر الفرقاء اللبنانيين إلى حلول للمشكلات المستعصية، ثم يقوم بعملية خطف جنود اسرائيليين من خلف الخط الاخضر من دون اي مبرر لهذا الفعل، اللهم الا اذا كان صادقًا فعلاً في رغبته تحرير الاسير سمير القنطار من السجون الاسرائيلية. براغماتية استغبائية بمعنى التعامل مع البشر وكأنهم بيادق على طاولة شطرنج. براغماتية هذا القول: "اننا لو كنا ندري ان الرد سيكون هكذا لما كنا قمنا بالعملية" على ما صرح الامين العام الحزب اللهي يومها. كانت الايام تمر منذ 14 شباط 2005. اليوم باتت الف يوم. ولكن قبل ذلك، كان الوقت يمر ما بين اليوم الاول واليوم الالف، وكانت تجري معه مسيرة تعطيل المحكمة الدولية. اولاً، استقال وزراء فريق "الممانعة" بعد انتهاء الحرب وفي الوقت المناسب قبل اقرار مجلس الوزراء مشروع المحكمة الدولية لمحاكمة المتهمين بقتل الرئيس رفيق الحريري وكل الذين قتلوا من بعده: سمير قصير، جبران تويني، جورج حاوي، بيار الجميل، انطوان غانم. مجلس النواب اقفل ايضا، وكأنه منزل رئيسه يمكنه فتحه واقفاله ساعة يشاء حتى لا تقر المحكمة الدولية في داخله. ومع ذلك كان الخطاب الشفوي واللفظي ما زال "استغبائيًا"، يطالب بإنشاء المحكمة الدولية ومعاقبة القتلة والمجرمين. انها حقيقة فظة، ولكنها الحقيقة. ثم تلت الاستقالة مطالبة هذا الفريق بتشكيل حكومة وحدة وطنية، اي حكومة تكون الاكثرية فيها كالاقلية عبر الثلث المعطل، الذي بإمكانه تعطيل كل المشاريع الاساسية في البلاد والتي استدعاها استشهاد الرئيس رفيق الحريري ومنها مشروع المحكمة الدولية، وقد قرر هذا الفريق احتلال وسط المدينة من اجل تحقيق هذا المطلب، وها نحن في اليوم الالف وما زال يحتل الوسط والبرلمان ويمنع انتخاب رئيس للجمهورية ليحل محل الرئيس الممدة ولايته قسرا. لو كان ميكيافيللي على قيد الحياة لكفر بآرائه السياسية.ولكن الحقيقة لا تموت اذا كان من يطالب بها يتحلى بالاصرار والعزيمة في مواجهة القاتل الذي لا يجد الا القتل وسيلة للهرب من محاكمته. تحت الفصل السابع اقرت المحكمة في مجلس الامن. اقر تمويلها، وعين الامين العام للامم المتحدة لجنة لاختيار القضاة الذي سيشرفون على المحاكمة، ووافقت هولندا على استضافتها على اراضيها، وها نحن نتجه نحو المحاكمة. الآن في اليوم الالف، انتهى دور لبنان عمليًا في موضوع انشاء المحكمة الدولية، منذ سَلّم قبل نحو شهرين اسماء القضاة الذين سيشاركون في هيئة المحكمة في مرحلتي محكمة البداية ومحكمة الاستئناف، وكذلك بالنسبة إلى تسمية القاضيين اللذين ستختار اللجنة القضائية المشكلة من الامم المتحدة احدهما مساعداً للمدعي العام الدولي استكمالاً لهيئة المحكمة. وفي الوقت عينه اختار مجلس القضاء الاعلى 12 قاضياً لتسمي اللجنة الدولية اربعة منهم في هيئتي المحكمتين. وسمت حكومة الرئيس السنيورة قاضيين لمركز مساعد المدعي العام الدولي لتختار اللجنة نفسها قاضيًا منهما. وستختار اللجنة القضائية الدولية التي شكلها الامين العام للامم المتحدة بان كي مون لاختيار قضاة المحكمة قبل آخر تشرين الثاني جميع قضاة تلك المحكمة من اجانب ولبنانيين في الوقت نفسه. في اليوم الالف بعد ارتكاب الجريمة الشنيعة والجبانة، لا يمكن القول الا هنيئًا لكم ولنا ايها الشهداء الاحرار حتى في موتكم. هنيئًا لكم لان موتكم لن يذهب هباء، وهنيئًا لنا لأن القاتل سيقبع في غياهب السجن اخيرا وسيتوقف عن قتلنا كما ما زال يفعل منذ ان صار لنا بلاد مستقلة، في المرة الاولى في العام 1946، وفي المرة الثانية في 14 آذار 2005.
المستقبل - السبت 10 تشرين الثاني 2007 - العدد 2788 - ملف - صفحة 10
فادي ريحان
قبل الف يوم بالتمام والكمال، انفجر نحو طنين من المواد الشديدة الانفجار والمحملة على ظهر شاحنة ميتسوبيشي، في منطقة خاضعة امنياً لسيطرة قوى الامن اللبنانية التي عين قادتها ابان عهد الوصاية السورية على لبنان وبمؤازرة جهاز مخابرات الجيش السوري في لبنان في اطار جماعة اتفق على تسميتها "النظام الامني اللبناني ـ السوري المشترك". وكانت المتفجرة هذه المنقولة عبر الاراضي السورية بحسب ما توصلت اليه لجنة التحقيق الدولية، تستهدف رئيس كتلة نيابية كبيرة في البرلمان اللبناني ورئيس وزراء سابقاً وزعيماً سياسياً، وقد قتلت نائباً في البرلمان اللبناني هو باسل فليحان، وعدداً من مرافقي الرئيس والنائب الشخصيين وكذلك التابعين للسلك العسكري الامني اللبناني، وعدداً كبيراً من المواطنين فاق العشرين. كانت جريمة ضخمة بكل المقاييس فقد هزت البلاد هزاً، واعادت إلى الاذهان عمليات الاغتيال الكثيرة التي ارتكبت خلال الحروب اللبنانية المديدة والمتناسلة حروباً كثيرة، تلك الاغتيالات التي كانت دوافعها معروفة ومرتكب اكثرها معروفاً ايضاً. وايقظت الجريمة الشنيعة تلك غالبية غالبة من اللبنانيين من سبات كان قد اغرقهم فيه نظام الوصاية المتسلط على كل تفاصيل حياة اللبنانيين، فإندفعوا إلى الساحات مطالبين بإنهاء النظام الامني السوري اللبناني المشترك، وطالبوا بسحب جنود الجيش الوصي بالنسبة لبعضهم والمحتل بالنسبة لبعضهم الآخر، ورفعوا الصوت مطالبين بالحرية والسيادة والاستقلال بعد اعوام طويلة من الاستتباع والتسلط كانا صنيعة مافيا الحكام في سوريا. هذا في العام السياسي، اما على الارض وفي مكان وقوع الانفجار تحديداً، فقد اشعلت المتفجرة جميع سيارات موكب الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ودمرت الابنية المجاورة وتركت حفرة عميقة في المكان. هنا بدأت مسيرة تعطيل المحكمة والمحاكمة والتحقيق. فقد قرر عتاة ضباط الامن المولجين، بطبيعة الحال، امر حماية المواطنين سواء كانوا من المسؤولين السياسيين او المدنيين العزل، ازالة الشواهد من ساحة الجريمة. هكذا بكل بساطة، بعد مرور ساعات قليلة على وقوع جريمة هزت البلاد والعباد قرر هؤلاء نقل السيارات المحترقة إلى ثكنة الحلو وطمر الحفرة التي خلفها الانفجار بعد تحقيقات وهمية سخيفة قام بها عدد من ضباطهم. والآن يريدنا كثيرون، بعد مرور الف يوم على ارتكاب الجريمة ان نعتقد ان هذا القرار ليس سوى قرار طبيعي واداري لا علاقة للتآمر به، وان الضباط المسؤولين كانوا يريدون بتلك الوسيلة الكشف عن الجناة واعتقالهم. ساسة وقادة وزعماء ميليشيات مسلحة، ما زالوا يصدحون بأصواتهم وبأقلامهم عبر شاشاتهم ووسائل اعلامهم وصحفهم بما يفيد ان ازالة الادلة من ساحة الجريمة لم يكن عن سوء نية وان اعتقال الضباط الاربعة مخالف للقانون. هذا استغباء اول لعقولنا نحن المواطنين والمدنيين العزل الذين نريد معرفة الحقيقة. استغباء يضاف إلى محاولة التعطيل الاولى، تلك، لمجريات التحقيق. حل بعض من مشكلة مديدة، في الايام المئة او المئتين الاولى. انسحب الجيش السوري من لبنان تحت ضغط الارادة الشعبية والظروف السياسية الضاغطة والمستجدة. اعتقل الضباط الاربعة الذين حاولوا عرقلة التحقيق، والذين تبين للمحقق الاول ديتليف ميليس ان اتصالات جرت معهم من محيط المجلس النيابي عند خروج الرئيس الحريري منه، ومن موقع الجريمة قبل وقوعها وبعد وقوعها. ثم استقالت حكومة عهد الوصاية الاخيرة، التي ضمت في صفوفها رجل مخابرات يدعى وئام وهاب، وآخر يدعى ناصر قنديل وغيرهم... وهؤلاء جميعهم من ربيبي النظام الامني اللبناني السوري المشترك ومروجي سياسته التخريبية في لبنان بحجة "الممانعة" والوقوف بوجه المشروع الاميركي في المنطقة، الفكرتان الممجوتان والمعلوكتان في عالمنا العربي منذ سنوات طويلة ادت إلى استعباد الناس وسحقهم وتسليط مستبدين عليهم. وفي الايام التالية بحسب التقويم المتبع منذ اليوم الاول لاغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، اجريت الانتخابات النيابية واعطت فريق 14 آذار الاكثرية في مجلس النواب وشكلت حكومة وحدة وطنية، استقلالية وسيادية وتضم في صفوفها بعض حلفاء سوريا في لبنان "حزب الله وحركة امل" والذين شكروا سوريا في 8 آذار على ما ادته لنا طيلة فترة وجود جيشها على ارضنا (وكان حينها الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله قد اهدى رستم غزالة بندقية المقاومة التي غنمتها من احد جنود الجيش الاسرائيلي في احدى عملياتها، كعربون وفاء مقابل كل الاعتقالات التعسفية التي قام بها اثناء وجوده مفوضًا ساميًا على النظام اللبناني، ومقابل القتلى والمخطوفين وعمليات التهجير والتدمير التي قام بها جيشه في لبنان منذ العام 1976). هكذا كانت تسير الامور في اتجاهين في الايام التالية على ارتكاب الجريمة مهما امتدت في المئات وحتى لو وصلت اليوم إلى الالف. اتجاه السيادة والاستقلال والمطالبة بمعاقبة القاتل، واتجاه الحنين إلى زمن الوصاية الذي اتهمه جمع غالب من اللبنانيين بارتكاب الجرائم. ولكن في تلك المسيرة (مسيرة الانقسام إلى اتجاهين في السياسة اللبنانية) كان الطرف الآخر لا يتوقف عن ترداد مقولة أنه يريد معرفة هوية القاتل وانه حريص على تشكيل المحكمة الدولية لمحاكمة القتلة. كان هذا الاستغباء الثاني لعقولنا (الاول هو الدفاع عن الضباط الاربعة)، ففي مقابل الموافقة اللفظية، كان مفوهو هذا الفريق يتهمون قاضي التحقيق الاول، ديتليف ميليس بتسييس التحقيق، ذلك لانه كان قد وجد ان الادلة جميعها تشير إلى سوريا في ارتكاب الجريمة. ثم اعتكف وزراء هذا الفريق عن حضور جلسات مجلس الوزراء عند محاولته اقرار مسودة مشروع تشكيل المحكمة الدولية بحجة انهم لم يطلعوا عليها، وهذه حجة التلميذ الكسول في يوم الامتحان. وفي الوقت عينه كان لا يزال الساسة والمفوهون من هذا الفريق (واضيف اليهم في تلك الفترة مفوهو التيار الوطني الحر الجدد بعد توقيع جنرالهم التفاهم الشهير مع الامين العام لحزب الله) يشددون على رغبتهم في محاكمة القتلة والمجرمين بواسطة المحكمة الدولية حيناً، او بواسطة محكمة لبنانية حيناً آخر، واجراء تحقيق بالجريمة من قبل لجنة تحقيق سورية شكلت لهذا الغرض ولكنها لم تقم بأي عمل منذ تشكيلها، وهي في الاساس شكلت لكي لا تقوم بأي عمل. وكانوا ايضاً يروجون لمقولة النظام السوري ان القضاء السوري سيحاكم الرعايا السوريين في حال تم اتهام احدهم بارتكاب الجريمة، وكان هذا هو استغباؤنا الثالث (وجاء ذلك في فترة متأخرة بعدما فهم المسؤولون في النظام السوري ان المحكمة الدولية آتية لا محالة)، وعلى هذه الحال مضت الرغبة في التعطيل، المترافقة مع خطابات لفظية تقول بذلك. انها البراغماتية السيئة نفسها التي تدفع "حزب الله" حليف سوريا الاول في لبنان إلى الجلوس حول طاولة الحوار للتوصل مع سائر الفرقاء اللبنانيين إلى حلول للمشكلات المستعصية، ثم يقوم بعملية خطف جنود اسرائيليين من خلف الخط الاخضر من دون اي مبرر لهذا الفعل، اللهم الا اذا كان صادقًا فعلاً في رغبته تحرير الاسير سمير القنطار من السجون الاسرائيلية. براغماتية استغبائية بمعنى التعامل مع البشر وكأنهم بيادق على طاولة شطرنج. براغماتية هذا القول: "اننا لو كنا ندري ان الرد سيكون هكذا لما كنا قمنا بالعملية" على ما صرح الامين العام الحزب اللهي يومها. كانت الايام تمر منذ 14 شباط 2005. اليوم باتت الف يوم. ولكن قبل ذلك، كان الوقت يمر ما بين اليوم الاول واليوم الالف، وكانت تجري معه مسيرة تعطيل المحكمة الدولية. اولاً، استقال وزراء فريق "الممانعة" بعد انتهاء الحرب وفي الوقت المناسب قبل اقرار مجلس الوزراء مشروع المحكمة الدولية لمحاكمة المتهمين بقتل الرئيس رفيق الحريري وكل الذين قتلوا من بعده: سمير قصير، جبران تويني، جورج حاوي، بيار الجميل، انطوان غانم. مجلس النواب اقفل ايضا، وكأنه منزل رئيسه يمكنه فتحه واقفاله ساعة يشاء حتى لا تقر المحكمة الدولية في داخله. ومع ذلك كان الخطاب الشفوي واللفظي ما زال "استغبائيًا"، يطالب بإنشاء المحكمة الدولية ومعاقبة القتلة والمجرمين. انها حقيقة فظة، ولكنها الحقيقة. ثم تلت الاستقالة مطالبة هذا الفريق بتشكيل حكومة وحدة وطنية، اي حكومة تكون الاكثرية فيها كالاقلية عبر الثلث المعطل، الذي بإمكانه تعطيل كل المشاريع الاساسية في البلاد والتي استدعاها استشهاد الرئيس رفيق الحريري ومنها مشروع المحكمة الدولية، وقد قرر هذا الفريق احتلال وسط المدينة من اجل تحقيق هذا المطلب، وها نحن في اليوم الالف وما زال يحتل الوسط والبرلمان ويمنع انتخاب رئيس للجمهورية ليحل محل الرئيس الممدة ولايته قسرا. لو كان ميكيافيللي على قيد الحياة لكفر بآرائه السياسية.ولكن الحقيقة لا تموت اذا كان من يطالب بها يتحلى بالاصرار والعزيمة في مواجهة القاتل الذي لا يجد الا القتل وسيلة للهرب من محاكمته. تحت الفصل السابع اقرت المحكمة في مجلس الامن. اقر تمويلها، وعين الامين العام للامم المتحدة لجنة لاختيار القضاة الذي سيشرفون على المحاكمة، ووافقت هولندا على استضافتها على اراضيها، وها نحن نتجه نحو المحاكمة. الآن في اليوم الالف، انتهى دور لبنان عمليًا في موضوع انشاء المحكمة الدولية، منذ سَلّم قبل نحو شهرين اسماء القضاة الذين سيشاركون في هيئة المحكمة في مرحلتي محكمة البداية ومحكمة الاستئناف، وكذلك بالنسبة إلى تسمية القاضيين اللذين ستختار اللجنة القضائية المشكلة من الامم المتحدة احدهما مساعداً للمدعي العام الدولي استكمالاً لهيئة المحكمة. وفي الوقت عينه اختار مجلس القضاء الاعلى 12 قاضياً لتسمي اللجنة الدولية اربعة منهم في هيئتي المحكمتين. وسمت حكومة الرئيس السنيورة قاضيين لمركز مساعد المدعي العام الدولي لتختار اللجنة نفسها قاضيًا منهما. وستختار اللجنة القضائية الدولية التي شكلها الامين العام للامم المتحدة بان كي مون لاختيار قضاة المحكمة قبل آخر تشرين الثاني جميع قضاة تلك المحكمة من اجانب ولبنانيين في الوقت نفسه. في اليوم الالف بعد ارتكاب الجريمة الشنيعة والجبانة، لا يمكن القول الا هنيئًا لكم ولنا ايها الشهداء الاحرار حتى في موتكم. هنيئًا لكم لان موتكم لن يذهب هباء، وهنيئًا لنا لأن القاتل سيقبع في غياهب السجن اخيرا وسيتوقف عن قتلنا كما ما زال يفعل منذ ان صار لنا بلاد مستقلة، في المرة الاولى في العام 1946، وفي المرة الثانية في 14 آذار 2005.
No comments:
Post a Comment